بمنزلة صه ومه لا إعراب فيه، كما لا إعراب في صه ومه وحَيْهَل، غير أنه بُني على الحركة التي كانت له في حال الظرفية، كما أن فتحة لام رجل من قولك : لا رجل في الدار١، وهي الحركة التي تحدثها "لا" إعرابًا في المضاف والممطول، نحو : لا غلام رجل عندك، ولا خيرًا منك فيها، وكذلك قول الله تعالى :﴿مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ﴾٢، الفتحة في نون "مكانكم" فتحة بناء؛ لأنه اسم لقولك : اثبُتوا، وليست كفتحة النون من قولك : الزموا مكانكم، هذه إعراب، وتلك في الآية بناء. وهذا موضع فيه لطف فتفهمه.
ولما دخل شيخنا أبو علي - رحمه الله - الموصل سنة إحدى وأربعين، قال لنا : لو عرفتُ في هذا البلد من يعرف الكلام على قولك : دونك زيدًا؛ لغدوت إلى بابه ورُحت. وكذلك قوله تعالى :"كَتَب الله عليكم" و﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُم﴾، و﴿عَلَيْكُمْ﴾ في الموضعين جميعًا منصوبة الموضع بنفس كَتَب وكتاب، ولو قلت : عليكم كتاب الله لما كان لقولك عليكم موضع من الإعراب أصلًا، ولا كانت متعلقة بشيء ظاهر ولا محذوف ولا مضمر على ما تقدم، فاعرفه "٤٢ظ".
ومن ذلك قراءة إبراهيم والأعمش وحُميد :"فَسوْف نَصْليه نارًا"٣ بفتح النون، وسكون الصاد.
قال أبو الفتح : يُروى في الحديث أنه أُتِيَ بشاة مَصْلِيَّة؛ أي : مشوية، يقال : صلاه يصليه : إذا شواه، ويكون منقولًا من صَلِي نارًا وصَلَيتُه نارًا، كقولك : كَسِي ثوبًا وكَسَوتُه ثوبًا، ومثله - إلا أنه قبل النقل غير متعد - شَتِر٤ وشَتَرْتُه، وغارت عينُه وغُرْتُها.
وعليه قوله :
وصالياتٍ كَكَما يؤثفَيْن٥
فهذا من صلي.
فأما قراءة العامة :﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾ بضم النون، فهو منقول من صلِي أيضًا، إلا أنه

١ أي : فتحة بناء.
٢ سورة يونس : ٢٨.
٣ سورة النساء : ٣٠.
٤ الشتر بالتحريك : انقلاب الجفن من أعلى وأسفل وانشقاقه، أو استرخاء أسفله، شترت العين وشترها.
٥ لخطام المجاشعي. والصاليات : الأثافي لأنها صليت النار؛ أي : وليتها وباشرتها، ويؤثفين : ينصبن للقدر. أراد كمثل ما يؤثفين؛ أي : كمثل حالها إذا كانت أثافي مستعملة. وصف ديارًا خلت من أهلها، فنظر إلى آثارها باقية لم تتغير، فذكرته من عهد بها. الكتاب : ١/ ١٣، ٢٠٣، ٢/ ٣٣١.


الصفحة التالية
Icon