ومن ذلك ما رواه الواقدي١ عن عباس عن الضبي٢ عن أصحابه :"مَرْغَمًا"٣، وقراءة الجماعة :﴿مُرَاغَمًا﴾.
قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون هذا إنما جاء على حذف الزيادة من راغَمَ، فعليه جاء مَرْغم؛ كمضرب من ضرب، ومذهب من ذهب. وأصل هذه المادة ر غ م، فمنه الرَّغام التراب "٤٥و" وهو إلى الذل والشدة، والمراغِم : الْمُغَارُّ الذي يروم إذلال صاحبه، ومنه الحديث المرفوع :"إذا صلى أحدكم فليُلزم جبهته وأنفه الأرض حتى يخرج منه الرَّغْمُ" أي : حتى يذل ويخضع لله عز وجل، وعليه بقية الباب.
ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان٤ :"ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ"٥ برفع الكاف، وقراءة الحسن والجراح :"ثُمَّ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ" بنصب الكاف.
قال أبو الفتح : ظاهر هذا الأمر أن "يدركُه" رفع على أنه خبر ابتداء محذوف؛ أي : ثم هو يدركه الموت، فعطف الجملة التي من المبتدأ والخبر على الفعل المجزوم بفاعله، فهما إذن جملة، فكأنه عطف جملة على جملة. وجاء العطف هاهنا أيضًا لما بين الشرط والابتداء من المشابهات، فمنها أن حرف الشرط يجزم الفعل، ثم يعتور الفعل المجزوم مع الحرف الجازم على جزم الجواب، كما أن الابتداء يرفع الاسم المبتدأ، ثم يعتور الابتداء والمبتدأ جميعًا على رفع الخبر؛ ولذلك قال يونس في قول الأعشى :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنا معشر نُزُل٦
٢ هو المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر، أخذ القراءة عرضًا عن عاصم بن أبي النجود والأعمش، وروى القراءة عنه علي بن حمزة الكسائي وغيره، قال أبو بكر الخطيب : كان علامة إخباريًّا موثقًا، وقال أبو حاتم السجستاني : ثقة في الأشعار غير ثقة في الحروف، ومات سنة ١٦٨. طبقات القراء : ٢/ ٣٠٧.
٣ سورة النساء : ١٠٠.
٤ في البحر المحيط ٣/ ٣٣٦ :"طلحة بن مصرف". وطلحة بن سليمان السمان مقرئ متصدر، أخذ القراءة عرضًا عن فياض بن غزوان عن طلحة بن مصرف، وله شواذ تُروى عنه. روى القراءة عنه إسحاق بن سليمان أخوه، وعبد الصمد بن عبد العزيز الرازي. طبقات القراء : ١/ ٣٤١.
وأما الأخر فطلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب أبو محمد، وقد تقدمت ترجمته في ص٥٠ من هذا الجزء.
٥ سورة النساء : ١٠٠.
٦ يُروى :
قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا
الديوان : ٦٣، والكتاب ١/ ٤٢٩.