إنما أراد : أو أنتم تنزلون، أفلا تراه كيف عطف المبتدأ والخبر على فعل الشرط الذي هو تركبوا؟ وعليه قول الآخر :
إن تُذنبوا ثم تأْتيني بقيتكم فما عليَّ بذنب منكم فوت١
فكأنه قال : إن تذنبوا ثم أنتم تأتيني بقيتكم، هذا أوجه من أن يحمله على أنه جعل سكون الياء في تأْتيني علَم الجزم، على إجراء المعتل مجرى الصحيح نحو قوله :
ألم يأْتيك والأنباء تنمي٢
فهذا جواب كما تراه.
وإن شئت ذهبت فيه مذهبًا آخر غيره، إلا أن فيه غموضًا وصنعة؛ وهو أن يكون أراد : ثم يدركْه الموت جزمًا، غير أنه نوى الوقف على الكلمة فنقل الحركة من الهاء إلى الكاف؛ فصار يدركُه، على قوله :
من عنَزِيِّ سبَّني لَمْ أضربُه٣
أراد : لم أضربْه، ثم نقل الضمة إلى الباء لما ذكرناه، كقوله :
أَلْهَى خليلي عن فراشي مسجدُهْ يأيها القاضي الرشيد أَرشِدُهْ
أي : أَرشِدْه، ثم نقل الضمة، فلما صار يدركُهْ حرك الهاء بالضم على أول حالها، ثم لم يُعِدْ إليها الضمة التي كان نقلها إلى الكاف عنها؛ بل أقر الكاف على ضمها، فقال :"ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ"، وقد جاء ذلك عنهم. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بقول الشاعر :
إن ابن أحوص معروفًا فبلِّغُهُ في ساعديه إذا رام العلا قِصَرُ
٢ عجزه :
بما لاقت لبون بني زياد
وهو لقيس بن زهير العبسي، ويروى :"إلم يبلغك" مكان "ألم يأتيك". الكتاب : ٢/ ٥٩، والنوادر : ٢٠٣، والأغاني : ١٦/ ٢٨.
٣ صدره :
عجبت والدهر كثير عجبه
هو لزياد الأعجم. وعنزة : قبيلة من ربيعة بن نزار، وهم عنزة بن أسد بن ربيعة. وزيادة الأعجم من عبد القيس، وسُمي الأعجم للكنة كانت فيه. الكتاب : ٢/ ٢٨٧، وشواهد الشافية : ٢٦١.