أراد : فبلِّغْه، ثم نقل الضمة من الهاء إلى الغين فصار فبلِّغُهْ، ثم حرك الهاء بالضم وأقر ضمة الغين عليها بحالها، فقال : فبلغُهُ؛ وذلك أنه قد كثر النقل عنهم لهذه الضمة عن هذه الهاء، فإذا نُقلت إلى موضع قرَّت عليه وثبتت ثبات الواجب فيه.
وفي إقرار الحركة بحالها مع تحريك ما بعدها دلالة على صحة قول سيبويه بإقرار الحركة التي "٤٥ظ" يحرك بها الساكن عند الحذف إذا رُد إلى الكلمة ما كان حُذف منها في نحو قوله في النسب إلى شِيَهٍ : وِشَوِيّ، وهذا مشروح هناك في موضعه، فهذا وجه ثانٍ كما تراه في قوله :"ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ" بضم الكاف، فاعرفه.
وأما قراءة الحسن :"ثُمَّ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ" بالنصب فعلى إضمار "أن"، كقول الأعشى :
لنا هضبة لا يَنْزل الذلُّ وسطها ويأْوي إليها المستجير فيُعْصَمَا١
أراد : فأَن يعصما، وهو ليس بالسهل؛ وإنما بابه الشعر لا القرآن. ومن أبيات الكتاب :
سأَترك منزلي لبني تميم وأَلحقُ بالحجاز فأَستريحا٢
والآية على كل حال أقوى من ذلك؛ لتقدم الشرط قبل المعطوف، وليس بواجب، وهذا واضح.
وفيه أكثر من هذا، إلا أنا نكره ونتحامى الإطالة لا سيما في الدقيق؛ لأنه مما يجفو على أهل القرآن.
وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتابه الحجة، وظاهرُ أمره أنه لأصحاب القراءة، وفيه أشياء كثيرة قلما ينتصف فيها كثير ممن يدعي هذا العلم؛ حتى إنه مجفو عند القراءة لما ذكرناه.
ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن الأعرج :"أَنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ"٣ بفتح الألف.
قال أبو الفتح : أن محمولة على قوله تعالى :﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ أي : لا تهنوا لأنكم تألمون، كقولك : لا تجبن عن قرنك لخوفك منه، فمن اعتقد نصب أن بعد حذف الجر عنها فأن هنا منصوبة الموضع، وهي على مذهب الخليل مجرورة الموضع باللام المرادة، وصارت "أن" لكونها كالعوض في اللفظ من اللام.
٢ الكتاب : ١/ ٤٢٣.
٣ سورة النساء : ١٠٤.