ومن ذلك قراءة يحيى :"فإنهم يِيلَمون كما تِيلَمون"١.
قال أبو الفتح : العرف في نحو هذا أن من قال : أنت تِئمن وتِئلف وإِيلف، فكسر حرف المضارعة في نحو هذا إذا صار إلى الياء فتحها ألبتة، فقال : هو يَأْلف، ولا يقول : هو يِيلف؛ استثقالًا للكسرة في الياء.
فأما قولهم في يَوْجَل ويَوْحَل ونحوهما : يِيجل ويِيحل بكسر الياء، فإنما احتُمل ذلك هناك من قِبَلِ أنهم أرادا قلب الواو ياء هربًا من ثقل الواو؛ لأن لياء على كل حال أخف من الواو، وعلموا أنهم إذا قالوا : يَيْجل ويَوحَل٢، فقلبوا الواو ياء والياء قبلها مفتوحة كان ذلك قلبًا من غير قوة علة القلب، فكأنهم حملوا أنفسهم بما تجشموه من كسر الياء توصلًا إلى قوة علة قلب الواو ياء، كما أبدلوا من ضمة لام أَدلُو جمع دَلْوٍ كسرة فصار أَدلِوٌ لتنقلب الواو ياء بعذر قاطع؛ وهو انكسار ما قبلها وهي لام، وليس كذلك الهمزة؛ لأنها إذا كسر ما قبلها لم يجب انقلابها ياء، وذلك نحو : بئر وذئب، ألا تراك إذا قلت : هو يِئْلف، لم يجب قلب الهمزة ياء؟ فلهذا قلنا : إن كسرة ياء يِيجل لما يعقب من قلب الأثقل إلى الأخف مقبول، وليس في كسر ياء يئلف ما يدعو إلى ما تُحْتَمل له الكسرة، وليس فيه أكثر من أنه إذا كسر الياء ثم خفَّف الهمزة صار يِيلمون فأشبه في اللفظ ييجل، وهذا "٤٦و" له قدر لا يُحتمل له كسر الياء، فاعرفه.
ومن ذلك قراءة النبي - ﷺ - فيما روته عائشة رضي الله عنها :"أُثُنا"٣ بثاء قبل النون، ورُوي أيضًا عنها عنه عليه السلام :"أُنُثا" النون قبل الثاء. وقراءة ابن عباس :"إلا وُثْنا"، ورُوي عنه أيضًا :"إلا أُنُثا" بضمتين والثاء بعد النون، وقراءة عطاء بن أبي رباح :"ألا أُثْنا" الثاء قبل، وهي ساكنة.
قال أبو الفتح : أما "أُثُن" فجمع وَثَن، وأصله وُثُن، فلما انضمت الواو ضمًّا لازمًا قلبت همزة، كقول الله تعالى :﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَت﴾٤، وكقولهم في وُجوه : أجوه، وفي وُعِد : أُعِد، وهذا باب واسع. ونظير وَثَن وأُثُن أَسَد وأُسُد. ومن قال :"أُثْنا" بسكون الثاء فهو كأُسْد، بسكون السين.

١ سورة النساء : ١٠٤.
٢ كذا في النسختين، وظاهر السياق يقتضي "ييحل".
٣ قراءة الجماعة :﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾. سورة النساء : ١١٧.
٤ سورة المرسلات : ١١.


الصفحة التالية
Icon