ومن ذلك ما رواه الضبي عن أبي عبد الله المدني :"في يَيامَى النساء"١ بياءين.
قال أبو الفتح : القراءة المجمع عليها :﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾ بياء وتاء بعدها. ولا يجوز قلب التاء هنا ياء. والقول عليه - والله أعلم - أنه أراد أَيامى، فأبدل الهمزة ياء، فصارت "يَيامى"، وقلبت الهمزة ياء كما قلبت الهمزة ياء في قولهم :"قطع الله أَدْيَه"، يريدون : يده، فرد لام الفعل، وأعاد العين إلى سكونها؛ فصارت يَدْيَه، ثم أبدل الياء همزة فصارت أَدْيه، ولم أسمع هذا إلا من جهته، وأيًّا ما كان فقد قُلب الياء همزة.
ونظير قلب الهمزة في "أَيامى" إلى الياء حتى صارت "يَيامى" قولهم : باهلة بن يعصُر، فالياء فيه بدل من همزة أَعصُر؛ وذلك لأنه يقال : باهلة بن أَعصُر٢ ويعصُر، وإنما سُمي أعصر ببيت قاله :
أبُنَي إن أباك غيَّر لونَه كرُّ الليالي واختلاف الأعصر٣
فهذا دليل على كون "٤٦ظ" الهمزة أصلًا والياء بدل منها.
وأما "أَيامى" فقالوا : إنها جمع أَيِّم، وأصلها عندهم أيائم كسيد وسيائد، كذا رواها ابن الأعرابي : سيد وسيائد بالهمز كما ترى، وفي هذا شاهد لقول سيبويه : إنه متى اكتنف ألف التكسير حرفا علة أَيَّيْنِ كانا وجاور الآخر منهما الطرف فإنه يهمز.
وشاهد ذاك أيضًا ما رواه أبو عثمان عن الأصمعي : أنهم قالوا : عيِّل وعيائل بالهمز.
وحكى أبو زيد :" سَيِّقة٤ وسيائق بالهمز.
وكان أبو علي يُسَر بما حكاه أبو زيد من همز سيائق، ولم يقع له إذ ذاك ما حكيناه عن ابن الأعرابي من همز سيائد، ولا كان إذا ذاك وقع هذا الحرف إليَّ فأذكره له، كأشياء كانت تخطر لي أو تنتهي إليَّ فأحكيها له، فنقع مواقعها المرضية عنده.
ومذهب أبي الحسن بخلاف ذلك، فلما صارت إلى أَيائم قُدِّمت اللام وأُخرت العين فصارت "أَيامِي"، ثم أبدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألف فصارت "أَيامَى"، ووزنها الآن فيالع، وأصلها أَيائِم فياعل؛ لأن أَيما فيْعِل، هذا مذهب الجماعة في أيِّم وأَيامى.

١ سورة النساء : ١٢٧.
٢ واسم أعصر : منبه بن سعد بن قيس عيلان. الخصائص : ٢/ ٨٦، ٣/ ١٨٢.
٣ انظر المصدر السابق، واللسان "عصر".
٤ السيقة ككيسة : ما استاقه العدو من الدواب، والدريئة يستتر فيها الصائد فيرمي الوحش.


الصفحة التالية
Icon