قيل : إن حروف الاستعلاء لا تمنع الإمالة في الفعل؛ إنما تمنع منها في الاسم، نحو : طالب وظالم، فأما في الفعل فلا، ألا تراهم كيف أمالوا طغى وقضى وهناك حرفان مستعليان مفتوحان؟
وسبب ذلك إيغال الأفعال في الاعتلال، وأنها أقعد فيه من الأسماء.
فإن قلت : فإنه لم يُحكَ في الطاء إمالة.
قيل : هي وإن لم تسمع معرضة، والكلمة لها معرضة فكأنها لذلك ملفوظ، كما أن مَن قال في الوقف هذا ماشْ، فأمال مع سكون الشين نظرًا إلى الكسرة إذا وصل فقال : هذا ماش، وكما أن من قال : أغزيت نظر إلى وجوب الياء في "٤٨و" المضارع لانكسار ما قبل الواو في يُغزى، وكما أن من أعلَّ يخاف وأصلها يَخْوَفُ نظر إلى اعتلالها في الماضي وأصلها خَوِف، ولولا ذلك لوجب أَغْزَوْتُ ويَخْوَفُ؛ لأنه لا علة فيهما في مكانهما، وكما أن من قال في الإضافة إلى الصِّعِق١ صِعْقِي أقر كسرة الصاد مع فتحة العين نظرًا إلى أصل ما كان عليه من كسرة العين، ولذلك نظائر.
وإن شئت قلت : لما كان يقول في الابتداء : اصطادوا، فيكسر همزة الوصل، نظر إليها بعد حذف الهمزة فقال :"فِاصطادوا" تصورًا لكسرة الهمزة إذا ابتدأت فقلت : اصطادوا. فهذا وجه ثانٍ لما مضى.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود :"وَلا يُجْرِمَنَّكُم" بضم الياء "شَنَآنُ قَوْمٍ إِنْ يصَدُّوكُمْ"٢ بكسر الألف.
قال أبو الفتح : في هذه القراءة ضعف؛ وذلك لأنه جزم بإن ولم يأتِ لها بجواب مجزوم أو بالفاء، كقولك : إن تزرني أعطك درهمًا أو فلك درهم، ولو قلت : إن تزرني أعطيتك درهمًا قبح لما ذكرنا؛ وإنما بابه الشعر :
إن يسمعوا رِيبة طاروا لها فرحًا يومًا وما سمعوا من صالح دفنوا٣

١ لقب عمرو بن خويلد؛ وإنما لقب به لأنه أصابته صاعقة في الجاهلية. الاشتقاق : ٢٩٧.
٢ سورة المائدة : ٣. وقرأ أبو عمرو وابن كثير :"إن صدوكم" بكسر الهمزة، وقرأ باقي السبعة :﴿أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ بفتح الهمزة. البحر المحيط : ٣/ ٤٢٢، وإتحاف فضلاء البشر : ١١٩.
٣ لقعنب بن أم صاحب، واسمه ضمرة أحد بني عبد الله بن غطفان، شاعر إسلامي كان في أيام الوليد، ورُوي :"عني" مكان "يومًا". الحماسة : ٢/ ١٧٩، وسمط اللآلي : ٣٦٢.


الصفحة التالية
Icon