يريد : عبيدًا لبني آدم، ولا يجوز أن يكون في المعنى عباد الله، لأن هذا ما لا يُسب به أحد، والناس كلهم عباد الله تعالى١، وأما قول الآخر :
لا والذي أنا عبد في عبادته لولا شماتة أعداء ذوي إحن
ما سرني أنَّ إبْلي في مبارِكها وأن شيئًا قضاه الله لم يكن
فيحتمل أن يكون جمع عبد، إلا أنه أنثه فصار كَذِكارة٢ وحجارة وقصارة، جمع قصير.
ويجوز أن تكون العبادة هنا مصدرًا؛ أي : أنا عبد في طاعته.
وأما "عُبِدَ الطاغوتُ" فظاهر، وعليه قراءة أُبي :"وَعَبَدُوا الطَّاغُوتَ" بواو.
وأما "وعابِدَ الطاغوتِ" فهو في الإفراد كعبد الطاغوت، واحد في معنى جماعة على ما مضى. وعليه أيضًا :"وعُبَد الطاغوتِ" لأنه كحُطَم٣ ولُبَد٤، كما أن عبُدًا كندُسٍ٥ وحذُرٍ ووظيف عَجُرٍ٦، ومن جهة أحمد بن يحيى "وعَبُدَ الطاغوتُ" أي : صار الطاغوتُ معبودًا؛ كفقُه الرجل وظرف : صار فقيهًا وظريفًا، ومن جهته أيضًا :"وعبدَ الطاغوتِ" وقال : أراد عبَدَة فحذف الهاء، قال : ويقال : عَبَدة الطاغوتِ والأوثان، ويقال للمسلمين : عُبَّاد.
ومن ذلك قراءة الحسن والزهري :"والصَّابِيُون"٧ يثبت الياء ولا يهمز.
وقرأ :"الصابُون" بغير همز ولا ياء أبو جعفر وشيبة، و"الخاطون"٨ و"مُتَّكُون"٩.
قال أبو الفتح "٥١و" : أما "الصابيون" بياء غير مهموزة، فعلى قياس قول أبي الحسن في "يستهزئون" : يَستهزيُون بياء غير مهموزة، ويحتمل ذلك فيها لتقدير الهمزة في أصلها؛ فيكون ذلك فرقًا بينها وبين ياء يَسْتَقْضُون، ألا ترى أن أصله يستقضِيوه، كما فرَّق
٢ جمع ذكر.
٣ الحطم : الراعي الظلوم للماشية، يهشم بعضها ببعض.
٤ اللبد : من لا يبرح منزله ولا يطلب معاشًا.
٥ الندس : الفَهْم.
٦ وظيف عجر : غليظ سمين.
٧ سورة المائدة : ٦٩.
٨ سورة الحاقة : ٣٧، والخاطون قراءة أبي جعفر وشيبة وطلحة ونافع بخلاف عنه. البحر : ٨/ ٣٢٧.
٩ سورة يس : ٥٦.