السكون للام الأمر، والتحريك للام كي من حيث كانت لام كي نائبة في أكثر الأمر عن أن، وهي أيضًا في جواب كان سيفعل إذا قلت : ما كان ليفعل، محذوفة مع اللام ألبتة، فلما نابت عنها قووها بإقرار حركتها فيها؛ لأن الحرف المتحرك أقوى من الساكن، والأقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأضعف.
نعم، وقد رأيناهم إذا أسكنوا بعض الحروف أنابوه عن حركته وعاقبوا بينه وبينها، وذلك نحو : الجواري والغواشي، صارت الياء في موضع الرفع والجر معاقِبة لضمتها وكسرتها في قولك : هؤلاء الجواري ومررت بالجواري، فكأن لام كي على هذا إذا أُسكنت معاقبة لأن، وكالمعاقِبة أيضًا لكسرتها؛ فلذلك أقروها على كسرتها، ولم يجمعوا عليها منابها في أكثر الأمر عن أن وقد ابْتُزَّت حركة نفسها أيضًا.
وأيضًا فإن الأمر موضع إيجاز واستغناء، ألا تراهم قالوا : صه ومه، فأنابوهما عن الفعل المتصرف، وكذلك حاءِ وعاءِ وهاءِ.
ومن ذلك قراءة الحسن :"إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِه"١ بضم الياء.
قال أبو الفتح : لا يجوز أن تكون "مَنْ" في موضع جر بإضافة "أعلم" إليها، لا فيمن ضم ياء يُضل، ولا فيمن فتحها؛ من حيث كانت "أعلم" أفعل، وأفعل هذه متى أضيفت إلى شيء فهو بعضه، كقولنا : زيد أفضل عشيرته؛ لأنه واحد منهم، ولا نقول : زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، لا نقول أيضًا : النبي - ﷺ - أفضل بني تميم على هذا؛ لأنه ليس منهم؛ لكن تقول : محمد - ﷺ - أفضل بني هاشم؛ لأنه منهم، والله يتعالى علوًّا عظيمًا أن يكون بعضَ المضلين أو بعض الضالين.
فأما قوله تعالى :﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾٢ فليس من هذا؛ إنما تأويل ذلك - والله أعلم - وجده ضالًّا، كقوله :﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾٣، وذلك مشروح في موضعه، فقوله أيضًا :"أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ" أي : يُجيرُه عن الحق ويصد عنه.
٢ سورة الجاثية : ٢٣.
٣ سورة الضحى : ٧.