نحو : ك ل م، ك م ل، م ل ك، م ك ل، ل ك م، ل م ك، وإنها مع التأمل لها ولين مَعطِف الفكر إليها آئلة إلى موضع واحد ومترامية نحو غرض غير مختلف، كذلك أيضًا يقال : ح ج ر، ج ر ح، ح ر ج، ر ج ح، ج ح ر. وأما ر ح ج فمهمل فيما علمنا، فالتقاء معانيها كلها إلى الشدة والضيق والاجتماع، من ذلك الحِجْر وما تصرف منه، نحو : انحجر، واستحجر الطين، والحُجرة وبقيته، وكله إلى التماسك في الضيق. ومنه الحرَج : الضيق، والحِرْج مثله، والْحَرجَةُ :"٥٥و" ما التف من الشجر فلم يكن دخوله، ومنه الْحُجر وبابه لضيقه، ومنه الْجَرْح لمخالطة الحديد للحم وتلاحمه عليه، ومنه رجح الميزان؛ لأنه مال أحد شقيه نحو الأرض؛ فقرب منها، وضاق ما كان واسعًا بينه وبينها.
فإن قلت : فإنه إذا مال أحدهما إلى الأرض فقد بعُد الآخر منها، قيل : كلامنا على الراجح، والراجح هو الداني إلى الإرض. فأما الآخر فلا يقال له : راجح، فليزم ما ألزمته، وإذا ثبت ذلك - وقد ثبت - فكذلك قوله تعالى :"حَرثٌ حِرْج" في معنى "حِجْر"، معناه عندهم : أنها ممنوعة محجورة أن يَطْعَمَها إلا من يشاءون أن يُطعموه إيَّاها بزعمهم.
ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف والأعرج وقتادة وسفيان بن حسين :"خالِصَةً"١.
وقرأ :"خالصًا" سعيد بن جبير.
وقرأ :"خالِصُه" ابن عباس بخلاف والزهري والأعمش وأبو طالوت.
وقرأ :"خالِصٌ" ابن عباس وابن مسعود والأعمش بخلاف.
قال أبو الفتح : أما قراءة العامة :﴿خَالِصَةٌ﴾ فتقديره : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لنا؛ أي : خالص لنا، فأنث للمبالغة في الخلوص، كقولك : زيد خالِصَتِي، كقولك : صَفِيِّي وثقتي؛ أي : المبالغ في الصفاء والثقة عندي، ومنه قولهم : فلان خاصَّتي من بين الجماعة؛ أي : خاصِّي الذي يخصني، والتاء فيه للمبالغة وليكون أيضًا بلفظ المصدر، نحو : العاقبة والعافية، والمصدر إلى الجنسية، فهي أعم وأوكد.
ويدلك على إرادة اسم الفاعل هنا - أي : خالص - قراءة سعيد بن جبير "خَالِصًا"، وعليه

١ سورة الأنعام : ١٣٩.


الصفحة التالية
Icon