وأن هذا قد جاء نحوه عنهم؛ حكى سيبويه عن الخليل :"ما أنا بالذي قائل لك شيئًا سوءًا" أي : بالذي هو قائل، وقال :
لم أرَ مثل الفتيان في غبن الـ أيام ينسَون ما عواقبها١
أي : ينسون الذي هو عواقبها.
ويجوز أن يكون "ينسون" معلقة كما علقوا نقيضتها التي هي يعلمون، وتكون "ما" استفهامًا وعواقبها خبر "ما"، كقولك : قد علمت مَن أبوك وعرفت أيُّهم أخوك؟، وعلى الوجه الأول حمله أصحابنا.
ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم :"مِمَّنْ كَذَبَ بِآياتِ اللهِ"٢ خفيفة الذال.
قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون دخول الباء هنا حملًا على المعنى؛ وذلك لأنه في معنى مَكَرَ بها، وكفر بها، وما أكثر هذا النحو في هذه اللغة، وقد ذكرناه فيما مضى، ومنه قوله :
ألم يأْتيك والأنباءُ تَنمي بما لاقت لبون بني زياد٣
زاد الباء في بما لاقت لما كان معناه ألم تسمع بما لاقت لبونهم، وفيه ما أنشدَناه أبو علي :"٥٦و"
أم كيف ينفعُ ما تعطى العَلوقُ به رئْمانَ أنف إذا ما ضُنَّ باللبِن٤
ألحق الباء في به لما كان تعطى في معنى تسمح به، ألا تراه قال في آخر البيت : إذا ما ضُنَّ باللبن؟ فالضن نقيضُ السماحة والبذل.

١ لعدي بن زيد، ويروى : عقب، جمع عقبة بضم فسكون وهي الشدة، وفي الأصل : غبر، وهو تحريف. قال ابن الشجرى : قوله :"في غبن الأيام" يدل على أنهم قد استعملوا الغبن المتحرك الأوسط في البيع، والأشهر غبنته في البيع غبنًا بسكون وسطه، والأغلب على الغبن المفتوح أن يستعمل في الرأي، وفعله غبن يغبن مثل فرح يفرح، يقال : غبن رأيه، والمعنى : في رأيه، ومفعول الغبن في البيت محذوف؛ أي : في غبن الأيام إياهم. وانظر : الأغاني، طبعة دار الكتب : ٢/ ١٤٧، والخزانة : ٢/ ٢١.
٢ سورة الأنعام : ١٥٧.
٣ انظر الصفحة ٦٧ من هذا الجزء.
٤ لأُفنون التغلبي، ويروى :"تأتي" مكان "تعطي"، العلوق : التي عطفت على ولد غيرها فلم تدر، وقال اللحياني : هي التي ترأم بأنفها وتمنع درتها، رئمت الناقة ولدها ترأمه رأمًا ورأمانًا : عطفت عليه ولزمته، وفي التهذيب : رئمانًا : أحبته. اللسان :"رأم، وعلق".


الصفحة التالية
Icon