وحكى الأصمعي عن أبي عمرو قال : سمعت رجلًا من اليمن يقول : فلان لَغُوب١، جاءته كتابي فاحتقرها، قال : فقلت له : أتقول جاءته كتابي؟ فقال : نعم، أليس بصحيفة؟ فلا تعجب إلا من هذا الأعرابي الجافي وهو يعلل هذا التعليل في تأنيث المذكر، وليس في شعر منظوم فيُحتمل ذلك له، إنما هو في كلام منثور، فكذلك يكون تأنيث الإيمان، ألا تراه طاعة في المعنى؟ فكأنه قال : لا تنفع نفسًا طاعتها، والشواهد كثيرة؛ لكن الطريق التي نحن عليها مختصرة قليلة قصيرة.
ومن ذلك قراءة النخعي وأبي صالح مولى ابن هانئ، ويُروى أيضًا عن الأعمش ويحيى :"الَّذِينَ فَرَقُوا دِينَهُمْ"٢ بالتخفيف.
قال أبو الفتح : أما "فَرَقُوا" بالتخفيف فتأويله أنهم مازُوه عن غيره من سائر الأديان، هذا ظاهر "فرَقوا" بالتخفيف. وقد يحتمل أن يكون معناه معنى القراءة بالتثقيل؛ أي : فرَّقوه، وعضَّوْه أعضاء، فخالفوا بين بعضه وبعض؛ وذلك أن فَعَل بالتخفيف يكون فيها معنى التثقيل، ووجه هذا أن الفعل عندنا موضوع على اغتراق جنسه، ألا ترى أن معنى "قام زيد" : كان منه القيام، و"قعد" : كان منه القعود؟ والقيام - كما نعلم - والقعود جنسان، فالفعل إذن على اغتراق جنسه، يدل على ذلك عمله في جميع أجزاء ذلك الجنس من مفرده ومثناه ومجموعه، ونكرته ومعرفته، وما كان في معناه، وذلك قوله : قمت قومة وقومتين وألفَ قومة، وقمت قيامًا وقيامًا طويلًا، وجلست جلوسًا وجلوسًا قصيرًا، وقمت القيام الذي تعلم. وقال :
لعمري لقد أحْبَبْتُكَ الحبَّ كُلَّه٣
وقالوا : قعد القرفصاء، وعَدَا البَشَكَى٤، ووثب الْحَجَزى٥، فعمل الفعل في جميع أجزاء
٢ سورة الأنعام : ١٥٩.
٣ عجزه :
وزدتك حبًّا فلم يكن قبل يعرف
وانظر : الخصائص : ٢/ ٤٤٨.
٤ أي : عدوًا سريعًا خفيفًا.
٥ أي : وثبًا سريعًا.