في هذه الحروف مع الوصل موجودة؛ إذ لو كانت موصولة ألبتة لوجب الإدغام، وأن يقال :"٥٧ظ" "نووّالقلم"، كما تدغم النون في الواو من قوله عز وجل :﴿مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾١.
قيل له : ولو كانت في وصلها على حكم الوقف ألبتة عليها لوجب إظهار النون فقيل :"نونْ والقلم" بإظهار النون؛ لقولك في الوقف :"نون" بإظهار النون، فترْك إظهار النون من قوله تعالى :"نون والقلم" يدل على نية الوصل، وإنما لم يكن هناك إدغام لعمري تعقبًا لما كان عليه من الوقف، وإلا فهو موصول لا محالة، وإذا كان موصولًا وجب حذف الهمزة أصلًا، وإذا حذفت أصلًا لم تجد هناك لفظًا تحقِّقه أو تخففه.
ويؤكد ذلك عندك قراءتهم "كاف ها يا عين صاد" بإخفاء النون من عين عند الصاد، كما تُخفى في الوصل إذا قلت : عجبت من صالح، ونحو ذلك.
فقد ترى إلى جريان هذا مع أنه حرف هجاء كجريانه في حال وصله نون عين وسين قاف من قوله : عين سين قاف، فأُخفيت النون من عين عند السين، والنون من سين عند القاف، كما تُخفيان في : عين سالم، ومن قاسم.
ويؤكد أيضًا عندك إدغام الدال من صاد في الذال من "ذِكْر" في قوله :"عين صاد ذِكْرُ رحمةِ ربِّك"٢، كإدغامها فيها في غير الهجاء، كقولك : تعهد ذلك الباب.
وهذا ينبهك على أن ترك إدغام النون من قوله :"نون والقلم" إنما هو لئلا يجتمع هناك ثلاث واوات، فثقل عليهم أن يقولوا :"نووَّالقلم"، ولو كان لنية الوقف ألبتة لظهرت الدال من "صاد ذكر رحمة ربك"، هذا أعلى القراءة وإن كان بعضهم قد أظهرها، إلا أن الإدغام أقوى رواية وقياسًا، فهذا أحد وجهي قبح قراءة أبي جعفر :"ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا لِآدَمَ".
والآخر : أن التخفيف في نحو هذا إنما يكون إذا كان الحرف الأول قبل الهمزة ساكنًا صحيحًا نحو :"قد أفلح"٣، فإذا خففت الهمزة ألقيت حركتها على الساكن قبلها فقَبِلَها لسكونه، ثم حذفت الهمزة تخفيفًا، فقلت :"قَدَ فْلَحَ"، وكذلك : مَن أبوك إذا خففته قلت : مَنَ بُوك؟
فأما إذا كان قبل الهمزة حرف متحرك وأردت تخفيفها فإنك لا تلقى حركة الهمزة عليه، ألا تراك لا تقول : فلان يضربَ خَاه، تريد : يضربُ أَخاه؟ لأن باء يضرب متحركة، فما
٢ سورة مريم : ١، ٢.
٣ سورة المؤمنون : ١.