فيها من حركتها لا يسوِّغُ نقل حركة أخرى إليها عوضًا من حركتها؛ ولذلك ضعفت عندنا قراءة الكسائي :"بما أُنْزِلَّيْك"١؛ لأن اللام من أُنزل مفتوحة، فلا ينقل عليها كسرة همزة إليك ثم يلتقي المثلان متحركين، فيسكن الأول منهما، ويدغم في الثاني كما جُعل ذلك في قوله :﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾٢؛ إذ كانت النون من لكن ساكنة فساغت٣ حذف همزة أناء وإلقاء حركتها على النون قبلها، فصارت "لكنَنَا"، فكُره التقاء المثلين متحركين، فأُسكن الأول منهما وأُدغم في الثاني، فصار لكنَّا كما ترى.
وقد ذكرنا هذا في غير هذا الموضع من كلامنا مصنفًا وغير مصنَّف.
فإن قلت : فما تصنع بما أخبركم به أبو علي عن أبي عبيدة من قول بعضهم : دعه في حِرُمِّه - بضم الراء - وهو يريد : في حرأُمه؟ ألا ترى كيف أَلقى حركة همزة "أم" على الراء وقد كانت "٥٨و" مكسورة ثم حذف الهمزة، وإلى ما حكاه أحمد بن يحيى من قول أبي السرار في خبر ذكره عند سعيد بن سليم وابنُ الأعرابي حاضرٌ من قول امرأة رأت أبا السرار عند بناتها، فأنكرته : أفي السَّوَتَنْتُنَّه؟ وهي تريد : أفي السَّوْءةِ أَنْتُنَّه؟ فحذفت همزة "أنتنه" وألقت حركتها على تاء "السوءة" وهي مكسورة.
قيل : هذا من الشذوذ؛ بحيث لا يقاس على ضعفه، فضلًا عنه على قلته.
وأيضًا، فإنه حذف همزة ثابتة موجودة في الوصل، وليست كذلك همزة "اسجدوا"؛ لأنها بلا خلاف معدومة في الوصل أصلًا، وما هو معدوم في اللفظ لا يعْرِض فيه تخفيف ولا تحقيق.
فإن توهَّم متوهم أنه يرى قطع همزة "اسجدوا" على ضعف ذلك، ثم فعل من بعد نحوًا من حكاية أبي عبيدة : دعه في حِرُمِّه، فإن هذا أفحش، من حيث كانت همزة "اسجدوا" مما لا يجوز في القرآن قطعه أصلًا؛ لخبث ذلك في الشعر فضلًا عن التنزيل، وما يجب فيه من تخير أفصح اللغات له.
ويزيد في قبح ذلك أنه إن نوى قطع همزة "اسجدوا" فإنما ذلك للوقف قبلها، والوقف هنا قبلها لا يجوز من حيث كان قوله :"اسْجُدُوا لِآدَمَ" معمولَ قوله :"قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ"، ولا يحسن الوقف على الناصب دون منصوبه؛ بل لا يجوز الوقف على العامل دون معموله؛ لاتصاله به، وكونه في بعض الأماكن كالجزء من العامل فيه، نحو : لا رجل في الدار، ومررت بي، والمال لي
٢ سورة الكهف : ٣٨.
٣ انظر الصفحة ٢٣٧ من هذا الجزء.