فيمن أسكن الياء، فهذا كله وما تركناه من نحوه يشهد بفساد قراءة أبي جعفر :"لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا".
ومن ذلك قراءة الزهري :"مَذُومًا مَدْحُورًا"١.
قال أبو الفتح : هذا على تخفيف الهمزة من "مَذْءومًا"، كقولك في مسئول : مسول.
فإن قلت : أفيكون مِن ذِمتُه أَذيمة؟ قيل : لو كان منه لكان مَذِيمًا كمبيع ومكيل.
فإن قيل : فقد حكى الفراء : هذا بُرّمَكُول، ورجل مسورٌ به، وقد قالوا في مهيب : مَهوب.
قيل : هذا من الشذوذ في منزلة القُصْيا، فلا يحسن الحمل عليه؛ وإنما ذكرناه لئلا يورده من يضعف نظره وهو يظنه طائلًا، فلا تحفل به.
ومن ذلك قراءة الحسن وأبي جعفر وشيبة والزهري :"سَوَّاتِهما"٢ بتشديد الواو.
قال أبو الفتح : حكى سيبويه ذلك لغة قليلة، والوجه في تخفيف نحو ذلك أن تحذف الهمزة وتلقى حركتها على الواو قبلها، فتقول في تخفيف نحو السوءة : السَّوَة، وفي تخفيف الجيئة : الجيَة، ومنهم من يقول : السَّوَّة والْجَيَّة، وهو أدون اللغتين وأضعفهما، ومنهم من يقول في المنفصل من أوْ أَنت : أوَّنت، وفي أبو أيوب : أَبوَّيُّوب، وهو في المنفصل أسهل منه في المتصل؛ لما يوهم "سَوَّة" أنه من مضاعف الواو، نحو : القُوَّة والْحُوَّة.
وقرأ :"سوْءَتِهما"٣ واحدة مجاهد.
ووجه ذلك أن السوءَة في الأصل فَعْلَة من ساء يسوء، كالضربة والقتلة، فأَتاها التوحيد من قِبَلِ المصدرية التي فيها.
فإن قلت : إن الفَعْلَة واحدة من جنسها، والواحد مُعرَّض للتثنية والجمع.
قيل : قد يوضع الواحد موضع الجماعة، وقد مضى ذلك مشروحًا. "٥٨ظ"

١ سورة الأعراف : ١٨.
٢ سورة الأعراف : ٢٠.
٣ قال في البحر ٤/ ٢٧٩ : وقرأ مجاهد والحسن :"من سوتهما" بالإفراد وتسهيل الهمزة؛ بإبدالها واوًا وإدغام الواو فيها.


الصفحة التالية
Icon