كقولك : يا زيد زيد، ويكون بالعلياء في موضع الحال من البيت الأول، كما كان قول النابغة :
يا دارَ ميةَ بالعلياء١
قوله :"بالعلياء" في موضع الحال؛ أي : يا دار مية عالية مرتفعة، فيكون كقوله :
يا بؤس للجهل ضَرَّارًا لأقوام٢
هذا معنى ما أورده بعد أن سددت السؤال ومكنته، فقلت : لا يجوز ذلك هنا؛ وذلك أنه لو كان البيت الثاني تكريرًا على الأول لقال : لولا حُب أهلك ما أتيت، فيكون كقولك : يا زيد، لولا مكانك ما فعلت كذا، وأنت لا تقول : يا زيد، ولولا مكانك لم أفعل كذا٣، فإذا بَطَلَ هذا ثبت ما قاله صاحب الكتاب من كونه كلامًا بعد كلام، وجملة تتلو جملة.
وهذا واضح، فقوله على هذا :﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾ جملة لا موضع لها من الإعراب من حيث كانت مرتجلة، وهي في القول الأول منصوب الموضع على الحال؛ أي : دخلوا الجنة أو أُدخلوا الجنة، مقولًا لهم هذا الكلام الذي هو : لا خوف عليكم، وحُذِفَ القول وهو منصوب على الحال، وأقيم مقامه قوله :"لا خوف عليكم" فانتصب "٦٠ظ" انتصابه، كما أن قولهم : كلَّمته فاه إلى فِيّ منصوب على الحال؛ لأنه ناب عن : جاعلًا فاه إلى فِيّ، أو لأنه وقع موقع مشافهة التي هي نائبة عن مشافِهًا له.
ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق :"أو نُرَدَّ "٤ بنصب الدال.
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
ورُوي : أعيت جوابًا وما بالربع من أحد. وروي هذا الشطر عجزًا لقوله :
وقفت فيه طويلًا كي أسائلها
وانظر : الكتاب : ١/ ٣٦٤، وشرح المعلقات السبع للزوزني : ١٩٣.
٢ صدره :
قالت بنو عامر خالوا بني أسد
والبيت للنابغة؛ يعني : ما كان من عزم بني عامر على قومه في مقاطعة بني أسد والدخول لي حلفهم، فجعلهم في ذلك. خالوا : تاركوا، ويقال للمطلقة : خلية. الكتاب : ١/ ٣٦٤، والخصائص : ٣/ ١٠٦.
٣ أي : وقد قال الشاعر : ولولا حب.
٤ سورة الأعراف : ٥٣.