قال أبو الفتح : الذي قبله مما هو متعلق به قوله :﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا﴾، ثم قال :"أَوْ نُرَدَّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ" فعطف "نرد" على "يشفعوا"، وهو منصوب لأنه جواب الاستفهام وفيه معنى التمني؛ وذلك أنهم قد علموا أنه لا شفيع لهم، وإنما يتمنون أن يكون لهم هناك شفعاء، فيردوا بشفاعتهم، فيعملوا ما كانوا لا يعملونه من الطاعة؛ فيصير به المعنى إلى أنه كأنهم قالوا : إن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا أو نُرْدَد، وتقديره مع رفع نرد على قراءة الجماعة : أن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا، وإن نردد نعمل غير الذي كنا نعمل. وذلك أنهم مع نصب "نرد" تمنوا الشفعاء وقطعوا بالشفاعة، وتمنوا الرد أيضًا وضَمِنُوا عمل ما لم يكونوا يعملونه؛ أي : إن نُردد نعمل غير الذي كنا نعمل كأنه قال : أو هل نرد فنعمل.
فأما قوله سبحانه :"يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ"١، فقال فيه أبو الحسن : إنهم إنما تمنوا الرد، وضمنوا ألا يُكَذِّبُوا، وهذا يوجب النصب لأنه جواب للتمني، قال : إلا أنه عُطِفَ في اللفظ والمراد به الجواب، وشَبَّهه بقول الله سبحانه :"وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ"٢ بالجر، قال : فهي في اللفظ معطوفة على المسح، وفي المعنى معطوفة على الغسل، قال ونحو منه : هذا حجر ضَبٍّ خربٍ. وقرأها الحسن :"أو تُريدُ فَنَعْملُ" فهو على هذه القراءة على أنهم تمنوا إرادته عز وجل إيمانَهم وعملَهم.
فإن قيل : وكيف يصح تمنيهم إرادتَه منهم الإيمانَ، ومعلوم أنه هو المراد منهم لقوله سبحانه :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾٣ وغيره من الآي؟
قيل : يكون معناه إرادة اقتسار لهم على الإيمان لا رَدٍّ منه تعالى الأمر إليهم فيه، فيكون هذا كقوله :﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾٤ أي : لو شاء مشيئة إلجاء أو إكراه لا عَرْض وترغيب.
وساغ في هذه القراءة تمنيهم العمل؛ إذ كان بلطف الله - عز وجل - لهم فيه وإعانته إياهم عليه.
٢ سورة المائدة : ٦.
٣ سورة الذاريات : ٥٦.
٤ سورة يونس : ٩٩.