فيه، كالجمْل والْجُمَّل في قراءة من قرأ :"حَتَّى يَلِجَ الْجَمْلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"؛ لأن لهذا وجهًا قائمًا معروفًا، وهو هذا القَمْل المعروف.
ومن ذلك قراءة الحسن أيضًا :"سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ"١.
قال أبو الفتح : ظاهر هذه القراءة مردود؛ لأنه سأُفْعِلُكم من رأيتُ، وأصله : سَأُرْئِيكُم، ثم خففت الهمزة بحذفها وإلقاء حركتها على الراء، فصارت سأُريكم. قالوا : وإذن لا وجه لها، ونحو من هذا قراءته أيضًا :"ولا أَدْرَأْتُكُم به"، إلا أن له وجهًا ما، هو أن يكون أراد :"سأُرِيكم" ثم أشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، فصارت "سَأُورِيكم".
وقد جاء من هذا الإشباع الذي تنشأ عنه الحروف شيء صالح نثرًا ونظمًا، فمن المنثور قولهم : بينا زيد قائم جاء عمرو، إنما يراد بين أوقات زيد قائم جاء فلان، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا. ومثله قول عنترة :
يَنْبَاع من ذِفْرَى غَضوب جسرة٢
أراد : ينبع، فأشبع فتحة الباء فنشأت عنها ألف كما ترى، على هذا حمله لنا أبو علي سنة إحدى وأربعين، وقد قال الأصمعي مع ذلك يقال : انباع الشجاع ينباع انبياعًا إذا انخرط ماضيًا من الصف.
وأخبرنا أبو علي عن أحمد بن يحيى أنه قال : يقال : جِيء به من حيثُ ولَيْسا٣.
ورَوى الفراءُ عن بعضهم أنه سمعه يقول : أكلت لحما شاة، وهو يريد : لحم شاة، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا، وهو اعتراض بين المضاف والمضاف إليه علي ضيق الوقت وقصره بينهما. ومنه المسموع عنهم في الصياريف والدراهيم٤، وأنشدنا أبو علي :
٢ عجزه :
زيافة مثل الفنيق المكدم
وانظر الصفحة ١٦٤ من هذا الجزء.
٣ أشبع فتحة ليس. وانظر : الخصائص : ٣/ ١٢٣.
٤ يشير إلى قول الفرزدق :
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقادُ الصياريف
ويُروى :"الدراهم" مكان "الدراهيم"، وانظر : الديوان : ٥٧٠.