وأما "بَيْسٍ" في وزن جَيْشٍ فطريق صنعته أنه أراد بَئِس، فخفف الهمزة فصارت بين بين؛ أي : بين الهمزة والياء، فلما قاربت الياء ثقلت فيها الكسرة فأسكنها طلبًا للاستخفاف، فصارت في اللفظ ياء، كما خففوا نحو صَيِدَ البعير، فقالوا : صيْدَ وإن كنت العين في صيِد ياء محضة وكانت في بَئِس همزة مخففة، إلا أنه شبهها بياء صَيِد لما ذكرنا من مقاربتها في اللفظ الياء، ونحو من ذلك قول ابن ميادة :
فكان يوْميْذٍ لها حكمُها
أراد : يومئذ، فخفف فصارت الهمزة بين بين وأشبهت الياء فأسكنها، فقال :"يَوْمَيْذٍ"، فهذا كبَيْسٍ على ما ترى.
وقد يجوز أن يكون أراد تخفيف بَيْئِس، فصارت بَيِس ثم أسكن تخفيفًا، كقولهم في عَلِمَ : عَلْم، وفي كلمة : كَلْمة، وفي فَخِذ : فَخْذ، ومثال بيْس على هذا فَيْل.
فأما "بائس" فاسم الفاعل من بئِس على ما قدمنا ذكره.
وأما "بَيَس"١ فطريف، وظاهر أمره أن يكون جاء على ماضٍ مثالُه فَيْعَل كهَيْنَم٢، ثم خففت الهمزة فيه وأُلقيت حركتها على الياء فصار بَيَس، وجاز اعتقاد هذا الفعل وإن لم يظهر كأشياء تثبت تقديرًا ولا تبرز استعمالًا.
وأما "بَيِّس" بتشديد الياء وكسرها، فليس على فَعِّل كما ظن ابن مجاهد؛ بل هو على فَيْعِل تخفيف بيئِس على قول من قال من تخفيف سوءَة : سَوَّة، وفي تخفيف شيء : شيّ، فأبدل الهمزة على لفظ ما قبلها، وعليه قول الشاعر :
يعجل ذا القباضة الوحِيَّا أن يرفع المئزر عنه شَيَّا٣
فصار بَيِّس كما ترى.
وأما "بأْسٍ" فتخفيف بَئِس، كقولك في سَئِم : سأْم، وفي علِم عَلْم.
وأما "بَيْس" فالعمل فيه من تخفيف الهمزة ثم إسكانها فيما بعد كالعمل في "بَيْسٍ" وهو يريد الاسم، وقد مضى ذلك.
٢ الهينمة : الصوت الخفي.
٣ القباضة : الانكماش والسرعة، الوحي : السريع، وورد الشاهد غير معزوٍّ في كل من اللسان والصحاح "قبض".