ومن ذلك قراءة العامة :﴿لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾١، وقراءة علي وزيد بن ثابت وأبي جعفر محمد بن علي٢ والربيع بن أنس وأبي العالية وابن جماز٣ :"لَتُصِيبَنَّ".
قال أبو الفتح : معنيا هاتين القراءتين ضدان كما ترى؛ لأن إحداهما :﴿لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾، والأخرى :"لَتُصِيبَنَّ" هؤلاء بأعيانهم خاصة. وإذا تباعد معنيا قراءتين هذا التباعد وأمكن أن يُجمع بينهما كان ذلك جميلًا وحسنًا، ولا يجوز أن يراد زيادة "لا" من قِبَل أنه كان "٦٧و" يصير معناه : واتقوا فتنة تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، فليس هذا عندنا من مواضع دخول النون، ألا تراك لا تقول : ضربت رجلًا يدخلَنَّ المسجد؟ هذا خطأ لا يقال؛ ولكن أقرب ما يصرف إليه الأمر في تلافي معنى القراءتين أن يكون يراد : لا تصيبن، ثم يحذف الألف من "لا" تخفيفًا واكتفاء بالفتحة منها، فقد فَعَلَت العرب هذا في أخت "لا" وهي أَمَا.
من ذلك ما حكاه محمد بن الحسن من قول بعضهم : أَمَ والله ليكونن كذا، فحذف ألف أَمَا تخفيفًا، وأنشد أبو الحسن وابن الأعرابي وغيرهما :
فلستُ بمدرك ما فات مني بلَهْف ولا بِلَيت ولا لو اني٤
يريد : بلهفا، فحذف الألف، وذهب أبو عثمان في قوله الله سبحانه :﴿يَا أَبَتَ﴾٥ - فيمن فتح التاء - أنه أراد : يا أبتا، فحذف الألف تخفيفًا، وأنشدوا :
قد وردت من أَمكنه من هاهنا ومن هُنَهْ
إن لم أُروّها فَمَهْ٦
يريد : إن لم أروها فما أصنع؟ أو فما مغناي؟ أو فما مقداري؟ فحذف الألف، وألحق الهاء لبيان الحركة، وروينا عن قطرب٧.

١ سورة الأنفال : ٢٥.
٢ هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر. عرض على أبيه زين العابدين، وورى عنه وعن جابر وابن عمر وابن عباس وغيرهم، وروي عنه ابنه جعفر الصادق والزهري وعمرو بن دينار وجماعة، ولد سنة ٥٦، مات سنة ١١٨، وقيل غير ذلك. طبقات ابن الجزري : ٢/ ٢٠٢.
٣ هو سليمان بن مسلم بن جماز، وقيل : سليمان بن سالم بن جماز، أبو الربيع الزهري مولاهم المدني، مقرئ جليل ضابط، عرض على أبي جعفر وشيبة ثم على نافع، وأقرأ بحرف أبي جعفر ونافع، عرض عليه إسماعيل بن جعفر وقتيبة بن مهران. قال ابن الجزري : مات بعد السبعين ومائة فيما أحسب. طبقات ابن الجزري : ١/ ٣١٥.
٤ الخصائص : ٣/ ١٣٥، والخزانة : ١/ ٣٦.
٥ سورة يوسف : ٤.
٦ ضمير وردت للإبل، ويروى :"إن لم تروها" بتاء الخطاب. وانظر : سر الصناعة : ١/ ١٨٢، والمنصف : ٢/ ١٥٦، وشرح شواهد الشافية : ٤٧٩.
٧ معطوف على : وأنشد أبو الحسن.


الصفحة التالية
Icon