فعلى هذا يجوز أن يكون أراد بقوله :"لَتُصِيبَنَّ" : لا تُصِيبَنَّ، فحذف ألف "لا" تخفيفًا من حيث ذكرنا.
فإن قلت : فهل يجوز أن يحمله على أنه أراد : لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، ثم أشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفًا كالأبيات التي أنشدتها قبل هذا الموضع، نحو قوله :
ينباع من ذِفْرَى غَضوب جَسْرة١
وهو يريد : ينبع.
قيل : يمنع من هذا المعنى، وهو قوله تعالى يليه :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. فهذا الإغلاظ والإرهاب أشبه بقراءة مَن قرأ :﴿لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ من أن يكون معناه : إنما تصيب الذين ظلموا خاصة.
فتأمل ذلك؛ فإنه يضح لك بمشيئة الله.
ومن ذلك ما رُوي عن عاصم أنه قرأ :"وَمَا كَانَ صَلاتَهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ" نصبًا "إِلَّا مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ"٢ رفعًا، رواه عبيد الله٣ عن سفيان٤ عن الأعمش٥ أن عاصمًا قرأ كذلك.

١ لعنترة من معلقته، وعجزه :
زيافة مثل الفنيق المكدم
الذفرى : ما خلف الأذن، والجسرة : الناقة الموثقة الخلق، وزيافة : متبخترة، والفثيق : الفحل من الإبل، مكدم : تكدمه الفحول، ورُوي "المقرم"، وضمير ينباع للعرق. المعلقات السبع : ١١٤، والخصائص : ٣/ ١٢١.
٢ سورة الأنفال : ٣٥.
٣ هو عبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد بن أبي المختار العبسي مولاهم الكوفي، حافظ ثقة. وُلد بعد العشرين ومائة. أخذ القراءة عرضًا عن عيسى بن عمر وشيبان بن عبد الرحمن الهمذاني وعلي بن صالح بن حسن. وروى القراءة عنه عرضًا إبراهيم بن سليمان وأيوب بن علي ومحمد بن عبد الرحمن وغيرهم. وتُوفي سنة ٢١٣. طبقات ابن الجزري : ١/ ٤٩٣.
٤ هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي أحد الأعلام. ولد سنة ٩٧، وروى القراءة عرضًا عن حمزة، وروى عن عاصم والأعمش حروفًا، وروى الحروف عنه عبيد الله بن موسى. توفي بالبصرة سنة ١٦١. طبقات ابن الجزري : ١/ ٣٠٨.
٥ هو سليمان بن مهران الأعمش أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الإمام الجليل. ولد سنة ٦٠ أخذ القراءة عرضًا عن إبراهيم النخعي وزر بن حبيش وعاصم وغيرهم، وروى عنه عرضًا وسماعًا حمزة الزيات وابن أبي ليلى وجرير بن عبد الحميد وغيرهم. تُوفي سنة ١٤٨. طبقات ابن الجزري : ١/ ٣١٦.


الصفحة التالية
Icon