ومن ذلك قراءة الناس ﴿بِالْعُدْوَةِ﴾١ و"العِدْوَةِ" بالضم والكسر. وقرأ :"بالعَدْوَةِ" قتادة٢ والحسن٣ وعمرو، واختلف عنهم.
قال أبو الفتح : الذي في هذا أنها لغة ثالثة، كقولهم : في اللبن رِغوة ورَغوة ورُغوة. ولها نظائر مما جاءت فيها فُعْلة وفِعْلة وفَعْلة، منه قولهم : له صِفوة مالي وصَفوته وصُفوته، روى ذلك أبو عبيدة. ومثله أَوطأته عَشوة٤ وعُشوة وعِشوة، روى ذلك أبو عبيدة وابن الأعرابي.
وروى الكسائي : كلمته بِحَضْرة فلان وحِضْرته، وحكى ابن الأعرابي : غَشوة وغُشوة وغِشوة، وغِلظة وغُلظة وغَلظة. وقالوا : شاة لَجْبة٥ ولُجْبة ولِجْبة، ورِبْوة٦ ورُبْوة ورَبْوة، فكذلك تكون أيضًا العِدْوة والعَدْوة والعُدْوة. وروى ابن الأعرابي أيضًَا : الْمُدية والْمِدية والْمَدية، بالفتح.
ومن ذلك ما يروى عن الأعمش أنه قرأ :"فَشَرِّذ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ "٧ بالذال معجمة.
قال أبو الفتح : لم يمرر بنا في اللغة تركيب ش ر ذ، وأوجه ما يُصْرَف إليه ذلك أن تكون الذال بدلًا من الدال، كما قالوا : لحم خَرادل وخَراذل٨، والمعنى الجامع لهما أنهما مجهوران ومتقاربان.
ومن ذلك قراءة الأشهب العقيلي :"فاجْنُحْ لها"٩ بضم النون.

١ سورة الأنفال : ٤٢، وكسر العين قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وضمها قراءة باقي السبعة. البحر المحيط : ٤/ ٤٩٩.
٢ هو قتادة بن دعامة، أبو الخطاب السدوسي البصري المفسر، أحد الأئمة في حروف القرآن. روى القراءة عن أبي العالية وأنس بن مالك، وسمع من أنس بن مالك وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وغيرهم. وروى عنه الحروف أبان بن يزيد العطار، وروى عنه أبو أيوب وشعبة وأبو عوانة وغيرهم. وكان يضرب بحفظة المثل. توفي سنة ١١٧. طبقات ابن الجزري : ٢/ ٢٥.
٣ هو الحسن بن أبي الحسن يسار السيد الإمام أبو سعيد البصري، إمام زمانه علمًا وعملًا. قرأ على حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري، وعلى أبي العالية عن أبي وزيد وعمر. وروى عنه أبو عمرو بن العلاء وسلام بن سليمان الطويل، ويونس بن عبيد وعاصم الجحدري. ولد سنة ٢١، وتوفي سنة ١١٠. طبقات ابن الجزري : ١/ ٢٣٥.
٤ العشوة مثلثة : ركوب الأمر على غير بيان، وأوطأه عشوة : حمله على أمر غير رشيد.
٥ اللجبة مثلثة الأول : الشاة قل لبنها، والغزيرة ضد.
٦ الربوة مثلثة : ما ارتفع من الأرض.
٧ سورة الأنفال : ٥٧.
٨ مقطع مفرق.
٩ سورة الأنفال : ٦١.


الصفحة التالية
Icon