قال أبو الفتح : أما "سُقاة" فجمع ساقٍ، كقاضٍ وقضاة وغازٍ وغزاة. و"عَمَرَة" جمع عامر، ككافر وكفرة وبارٍّ وبررة.
وأما "سُقاية" ففيه النظر، ووجهه أن يكون جمع ساق، إلا أنه جاء على فُعال كعَرق١ وعُراق، ورَخِل ورُخال٢، وتوءَم وتُؤام، وظِئر وظُآر، وإنسان وأُناس، وثَنِي٣ وثُناء، وبرئ وبُرَاء. فكان قياسه إذا جاء به على فُعال أن يكون سُقاء، إلا أنه أنثه كما يؤنَّث من الجمع أشياء غيره، نحو : حِجارة وعِيارة وقَصير وقِصارة. وجاءت في شعر الأعشى٤ وعُيُورة٥ وخُيوطة٦، وقد جاء هذا التأنيث أيضًا في فُعَال هذا. ذهب أبو علي في قولهم : نُقاوة المتاع إلى أنه جمع نَقوة٧، فعلى هذا جاء سُقاية الحاج، فهو كتأنيث ظُؤار وتُؤام ونحو ذلك.
وكأن الذي آنس مَن قرأ "سُقاة" و"عَمَرَة" و"سُقاية" وعدل إليه عن قراءة الجماعة :﴿سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ هربه من أن يقابل الحدث بالجوهر؛ وذلك أن السقاية والعمارة مصدران، و"مَن آمن بالله" جوهر، فلا بد إذن "٦٩و" من حذف المضاف؛ أي : أجعلتم هذين الفعلين كفعل من آمن بالله؟ فلما رأى أنه لا بد من حذف المضاف قرأ :"سقاة" و"عَمَرَة" و"سُقاية" على ما مضى.
ولست أدفع مع هذا أن يكون ﴿سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ جع ساق ﴿وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ جمع عامر، فيكون كقائم وقيام وصاحب وصِحاب وراع ورِعاء، إلا أنه أنث فِعالًا على ما مضى، فصار كحِجارة وعِيارة، وأن يكونا مصدرَي سقيت وعمرت أقيس؛ لأن ذلك في اللغة أفشى، وبَنَى سقاية وهو جمع ساق على التأنيث لا على أنه أنث سِقاء؛ لأنه لو أراد ذلك لقال : سِقَاءَة فهمر، كعَظَاءة٨ إذا بنيت على العَظاءِ، ويكون كل واحد منهما قائمًا برأسه.
٢ الرخل : الأنثى من أولاد الضأن.
٣ الثني : البعير الطاعن.
٤ يشير إلى قول الأعشى في الديوان ٥٧ :
لا ناقصي حسب ولا أيد إذا مدت قصاره
٥ العيورة : جمع العير.
٦ جمع خيط.
٧ نقوة الشيء : خياره.
٨ دويبَّة كسام أبرص، وهي بالهمزة لغة العالية، ولغة تميم : العظاية.