وقول الآخر :
حُدْبًا حدابير من الوَخْشَنَّ تركْن راعيهن مثلَ الشَّنّ١
وقال رؤبة، أنشدَناه أبو علي :
سَوَّى مساحيهن تقطيطَ الْحُقَق تَفْليلُ ما قارعْن من سُمْر الطُّرَق٢
وقال الأعشى :
إذا كان هادي الفتى في البلا د صدرُ القناة أطاع الأميرا٣
وقد جاء عنهم في النثر قولهم : لا أكلمك حَيْرِي٤ دهر، كذا يقول أصحابنا، ولي أنا فيه مذهب غير هذا؛ وهو أن يكون أراد حِيريّ دهر بالتشديد، ثم خفف الكلمة فحذف ياءها الثانية وقد كانت الأولى المدغمة فيها ساكنة، فأقرها على سكونها تلفتًا إلى الياء المحذوفة الثانية؛ لأنها في حكم الثبات كما صحح الآخَرُ الواو في العواور٥؛ لأنه إنما يريد العواوير، فلما حذف الياء وهي عنده في حكم الثبات أقر الواو على صحتها دلالة على أنه يريد الياء.
ومثله أيضًا ما جاء عنهم من تخفيف ياء لا سيما؛ وذلك أن السِّيّ فِعْل من سوّيت، وأصله سِوْي، فقلبت الواو ياء لسكونها مكسورًا ما قبلها، أو لوقوع الياء بعدها، أو لهما جميعًا، فلما حذفت الياء التي هي لام وانفتحت الياء بالتاء فتحة اللام عليها كان يجب أن يرجع واوًا
٢ لرؤبة يصف أتنًا وحمارًا. والمساحي : جمع مسحاة؛ وهي الآلة التي يسحى بها؛ أي : يقشر، وأراد بالمساحي هنا حوافر الأتن؛ لأنها لشدة وطئها تسحو الأرض، والتقطيط : قطع الشيء وتسويته، ونصبه على المصدر المشبه به؛ لأن معنى سوى وقطط واحد، والحقق : جمع حقة الطيب، والطرق : جمع طرقة؛ وهي حجارة بعضها فوق بعض، ووصف الطرق بالسمرة لأنها أصلب. يريد : أن الحجارة سوت حوافر الأتن كأنما قططت تقطيط الحقق. الديوان : ١٠٦، والكتاب : ٢/ ٥٥، وسمط اللآلي : ٣٢٢، واللسان "قطط".
٣ من قصيدة في مدح هوذة بن علي الحنفي. صدر القناة : أعلى العصا التي يقبض عليها لأنه أعمى، والأمير : الذي يقوده ويأمره. الديوان : ٩٥.
٤ في القاموس : مشددة الآخر، وتكسر الحاء، وحيري دهر ساكنة الآخر وتنصب مخففة؛ أي : مدة الدهر.
٥ يشير إلى قول جندل بن المثنى الطهوي :
غرَّكِ أن تقاربت أبا عرى وأن رأيت الدهر ذا الدوائر
حنى عظامي وأُراه ثاعري وكحل العينين بالعواور
وتقارت أبا عرى : قلت : فقرب بعضها من بعض لقلتها، أو قربت من الدناءة، من قولك : شيء مقارب إذا كان دونًا، وثاغري : مسقط أسناني، والعواور : جمع العوار؛ وهو الرمد. وانظر : الخصائص : ١/ ١٩٥، وشرح شواهد الشافية : ٣٧٤.