ومعاذ الله أن نقول : إن ضمة الهاء من "فيه" عَلَم رفع، كيف ذلك والهاء مجرورة الموضع "بفي"؟ نعم وهي اسم مضمر، والمضمر لا إعراب في شيء منه، وهي أيضًا مكسورة في أكثر اللغة، هل يجوز أن يظن أحد أن الضمة فيها علَم رفع؟ لكن الكلمة مرفوعة الموضع، وتصوُّر معنى الرفع فيها أسبق إلى اللفظ، كما ذهب بعضهم في ضمة تاء المتكلم في نحو : قمتُ وذهبتُ إلى أنها إنما بُنيت "٧٣و" على الضم لَمْحا لموضعها من الإعراب؛ إذ هي مرفوعة، وكانت أقوى من تاء المذكر والمؤنث في نحو : قمتَ وقمتِ؛ فكانت لذلك أحق بذلك.
وليس الظرف هنا وصفًا لمسجد؛ بل هو على الاسئناف، والوقف عندنا على قوله :﴿أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾، ثم استؤنف الكلام فقيل :﴿فِيهِ رِجَالٌ﴾. وهذا أولى من أن يُجعل الظرف وصفًا "لمسجد"؛ لما فيه من الفصل بين النكرة وصفتها بالخبر الذي هو "أحق"، ولأنك إذا استأنفت صار هناك كلامان، فكان أفخر من الوصف من حيث كانت الصفة مع موصوفها كالجزء الواحد.
ومن ذلك قراءة نصر بن عاصم١ بخلاف :"أفمن أَسَسُ بُنْيانِه خيرٌ أم من أَسَسُ بُنيانِه"٢ في وزن فَعَل، وقرأ :"أَساسُ بُنْيَانِه" بفتح الألف وألف بين السينين نصر بن علي٣ بخلاف، ورُوي عنه أيضًا :"أُسُّ بُنْيانِه" برفع الألف وخفض النون في "بنيانه" والسين مشددة.
قال أبو الفتح : يقال : هو أس الحائط وأساسه، فُعْل وفَعَال. وقد قالوا : له أَسّ بفتح الألف، وقد أَسّ البناء يؤسه أَسًّا : إذا بناه على أساس، وقالوا في جمع أُس : آساس، كقفل وأقفال، وقالوا في جمع أساس : إساس وأُسُس، ونظير أساس وإساس ناقة هِجان٤ ونوق هِجَان، ودرع دِلاص٥ وأدرع دِلاص، وإن كان هذا مكسور الأول، فإن فَعَالًا وفِعَالًا تجريان مجرى المثال الواحد، ألا ترى كل واحد منهما ثلاثيًّا وفيه الألف زائدة ثالثة؟ وقد اعتقبا أيضًا
٢ سورة التوبة : ١٠٩.
٣ هو نصر بن علي أبو حفص الحضيني، روى الحروف عن حفص بن سليمان عن عاصم. طبقات القراء لابن الجزري : ٢/ ٣٣٨.
٤ ناقة هجان : بيضاء.
٥ درع دلاص : ملساء لينة.