ثق بأمانٍ من الله، وثق بالأمان من الله، وهذا حق، وهذا الحق، وهذا صدق، وهذا الصدق.
ومنه قولهم : خرجت فإذا بالباب أسد، وإذا بالباب الأسد، المعنى واحد ووضع اللفظ مختلف؛ وسبب ذلك كون الموضع جنسًا، وقد تقدم نحو هذا.
ومن ذلك قراءة النبي - ﷺ - وعثمان بن عفان وأُبي بن كعب والحسن وأبي رجاء ومحمد بن سيرين والأعرج وأبي جعفر بخلاف والسلمي وقتادة والجحدري١ وهلال بن يَسَاف٢ والأعمش بخلاف وعباس بن الفضل وعمرو بن فائد :"فَبِذَلِكَ فَلْتفْرَحُوا"٣ بالتاء، وقرأ :"فبِذَلِكَ فافرَحُوا" أبي بن كعب.
قال أبو الفتح : أما قراءة أبي هذه "فافرحوا" فلا نظر فيها؛ لكن "فلتفرحوا" بالتاء خرجت على أصلها؛ وذلك أن أصل الأمر أن يكون بحرف الأمر وهو اللام، فأصل اضرب لتضرب، وأصل قم لتقم، كما تقول للغائب : ليقم زيد، ولتضرب هند؛ لكن لما كثر أمر الحاضر نحو : قم، واقعد، وادخل، واخرج، وخذ، ودع؛ حذفوا حرف المضارعة تخفيفًا، بقى ما بعده ودل حاضر الحال على أن المأمور هو الحاضر المخاطب، فلما حذف حرف المضارعة بقى ما بعده في أكثر الأمر ساكنًا؛ فاحتيج إلى همزة الوصل ليقع الابتداء بها، فقيل : اضرب، اذهب، ونحو ذلك.
فإن قيل : ولِمَ كان أمر الحاضر أكثر حتى دعت الحال إلى تخفيفه لكثرته؟
قيل : لأن الغائب بعيد عنك، فإذا أردت أن تأمره احتجت إلى أن تأمر الحاضر لتؤدي إليه أنك تأمره، فقلت : يا زيد، قل لعمرو : قم، ويا محمد، قل لجعفر : اذهب، فلا تصل إلى أمر الغائب إلا بعد أن تأمر الحاضر أن يؤدي إليه أمرك إياه، والحاضر لا يحتاج إلى ذلك؛ لأن خطابك إياه قد أغنى عن تكليفك غيره أن يتحمل إليه أمرك له.
ويدلك على تمكن أمر الحاضر أنك لا تأمر الغائب بالأسماء المسمى بها الفعل في الأمر، نحو :

١ هو عاصم بن أبي الصباح والعجاج، وقيل : ميمون أبو المجشر - بالجيم والشين المعجمة مشددة مكسورة - الجحدري البصري. أخذ القراءة عرضًا عن سليمان بن قتة عن ابن عباس، وقرأ أيضًا على نصر بن عاصم والحسن ويحيى بن يعمر. قرأ عليه عرضًا أبو المنذر سلام بن سليمان وعيسى بن عمر الثقفي. مات سنة ١٢٨. طبقات القراء لابن الجزري : ١/ ٣٤٩.
٢ في القاموس :"وهلال بن يساف - بالكسر وقد يفتح - تابعي كوفي".
٣ سورة يونس : ٥٨.


الصفحة التالية
Icon