وأصله : تثنانُّ، فحركت الألف لسكونها وسكون النون الأولى؛ فانقلبت همزة على ما مضى قبل، وعليه قول دُكَين :
راكدةٌ مِخلاتُه ومحلبُه وجُلُّه حتى ابيأَضَّ ملبَبُه١
يريد : ابياض، فحرك الألف فهمزها على ما مضى، والتقاء المعنيين أن "الثِّنَّ" : ما ضعف ولان من الكلأ، فهو سريع إلى طالبه خفيف، وغير معتاص على آكله، وكذلك "صدروهم" مجيبة لهم إلى أن يثنوها؛ ليستخفوا من الله سبحانه.
وأما "تَثْنوِنَّ" فإنها تفعوْعل من لفظ الثِّنّ ومعناه أيضًا، وأصلها : تثنونِنُ، فلزم الإدغام لتكرير العين إذ كان غير ملحق، وكذلك قالوا : في مُفعوعل من رَددت مُرْدَوِدّ، وأصلها : مُرْدَوْدِدُ. فلما لم يكن ملحقًا وجب إدغامه؛ فنقلب الكسرة من الدال الأولى فأُلقيت "٧٧و" على الواو، وأُدغمت الدال في الدال فصار مُرْدوِدٌّ، وكذلك أصل هذه : تَثْنَوْنِنُ، فأسكنت النون الأولى، ونقلت كسرتها على الواو، فأُدغمت النون في النون فصار "تَثْنَوِنَّ".
وذهب أبو إسحاق في قولهم : مصائب - بالهمز - إلى أن أصلها : مصاوب، فهمزت الواو لانكسارها، كما همزت في إسادة وإعاء، فقياسه على هذا أن تكون "تثنئنَّ" أصلها : تثنوِنُّ، فهمزت الواو لانكسارها، وعلى أن مذهب أبي إسحاق هذا مردود عندنا غير أن قياسه أن يقول ما ذكرنا.
وأما "تَثْنَوْنِ صُدُورُهُمْ" بنون مكسورة من غير ياء، ورفع "صدروهم" فإنه أراد الياء، فحذفها تخفيفًا كالعادة في ذلك، ولا سيما والكلمة طويلة بكونها على تفعوعل.
وأما "يَثْنَؤُنَّ صُدُورَهُمْ" بالنصب وبالهمزة المضمومة فَوْهم من حاكيه أو قارئه؛ لأنه لا يقال : ثنأت كذا بمعنى تَثَنيْتُه، وكذلك "يُثْنُونَ صُدُورَهُمْ"؛ لأنه لا يُعرف في اللغة أَثنيت كذا بمعنى ثَنيته، إلا أن يكون معناه يجدونها منثنية؛ كقولهم : أحمدته : وجدته محمودًا، وأذممته : وجدته مذمومًا.
ومن ذلك قراءة أُبي وابن مسعود٢ :"وباطِلًا ما كانوا يَعْمَلُون"٣.

١ الملبب : موضع اللبة؛ وهو وسط الصدر.
٢ هو عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي المكي، أحد السابقين والبدريين والعلماء الكبار من الصحابة. عرض القرآن على النبي - ﷺ - وعرض عليه الحارث بن قيس وزر بن حبيش وعبيد بن قيس وغيرهم. وهو أول من أفشى القرآن من فِي رسول الله - ﷺ - وإليه تنتهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش. توفي بالمدينة آخر سنة ٣٢. طبقات القراء لابن الجزري : ١/ ٤٥٨.
٣ سورة هود : ١٦.


الصفحة التالية
Icon