ضرورة الشعر؛ فلذلك كانت القراءة به ضعيفة. وعلى أن له وجهًا آخر؛ وهو أن يكون مفتعَلًا من قوله :
إذا شرب الْمُرِضَّة قال أَوْكِي على ما في سقائك قد رَوِينا١
يقال : أَوْكَيْتُ السقاء : إذا شددته، فيكون راجعًا إلى معنى مُتَّكَأ المهموز؛ وذلك أن الشيء إذا شُد اعتمد على ما شده كما يعتمد المتكئ على المتكَأ عليه. فإن سلكت هذه الطريق لم يكن فيه بدل ولا ضعف، فيكون مُتَّكًا على هذا كمُتَّقًى من وقيت، ومُتَّلًى من وَلِيتُ.
وأما "مُتْكًا" ساكنة التاء فقالوا : هو الأُتْرُجُّ٢، ويقال أيضًا : هو الزُّمَاوَرْدُ٣.
وأما "مُتَّكَاءً" فعلي إشباع فتحة الكاف من "متَّكأ"، وقد جاء نحو هذا، أنشدناه أبو علي لابن هَرْمة يرثي ابنه :
فأنتَ من الغَوَائلِ حين تُرْمى ومن ذمِّ الرجال بِمُنْتَزَاح٤
يريد : بِمُنْتَزَح، وعليه قول عنترة، وأنشدناه أيضًا سنة إحدى وأربعين بالموصل :
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جسْرةٍ٥
وقال : أراد يَنْبَع، فأشبع الفتحة، فأنشأ عليه ألفًا. ولعمري إن هذا مما تختص به ضرورة الشعر وقلما يجيء في النثر، فوزن "مُتَّكَاء" على هذا مفتعال، كما أن وزن "يَنْبَاعُ" على هذا يَفْعَال، ولو سميت به رجلًا لصرفته في المعرفة؛ لأنه قد فارق شبه الفعل وَزْنًا، ولو سميته بينبع لم تصرفه، كما أنك لو سميته بينظر لم تصرفه، فإن سميته بأَنظور، تريد : فأنظر؛ لصرفته معرفة لزوال مثال الفعل. وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بسر الصناعة.
ولا تصلي بمطروق إذا ما سرى في القوم أصبح مستَلينا
يلوم ولا يلام ولا يبالي أغثًّا كان لحمك أم سمينا؟
والمرضة : اللبن الحليب الذي يحلب على الحامض. اللسان "رضض".
٢ الأترج وهو أيضًا الترنج : ثمر شجر من جنس الليمون.
٣ الزماورد : طعام من اللحم والبيض.
٤ يروى :"تنمى" مكان "ترمى"، وإنه في مدح بعض القرشيين، وكان قاضيًا لجعفر بن سليمان بن علي. وقوله بمنتزاح : من النزح؛ وهو البعد. وانظر : الخصائص : ٢/ ٣١٦، ٣/ ١٢١، وشواهد الشافية : ٢٥.
٥ انظر الصفحة ١٦٦ من هذا الجزء.