قال أبو الفتح : تحتمل هذه القراءة ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون من باب إضافة المسمى إلى الاسم؛ أي : وفوق كل شخص يسمى عالمًا عليم. وقد كثر عنهم إضافة المسمى إلى اسمه، منه قول الكميت :
إلَيكُم ذَوِي آلِ النَّبِيِّ تَطَلَّعَتْ نَوَازِعُ من نَفْسِي ظِماءٌ وأَلْبُبُ١
أي : إليكم يا آل النبي؛ أي : يا أصحاب هذا الاسم الذي هو آل النبي، وعليه قول الأعشى :
فَكَذَّبُوهَا بما قالت فصبَّحهم ذُو آلِ حَسَّانَ يُزْجِي الموتَ والشِّرعَا٢
أي : صبحهم الجيش الذي يقال له : آل حسان. ومنه قول الآخر :
وحيّ بَكْرٍ طعنَّا طعنة بَحَرَا٣
أي : الإنسان الحي - الذي يسمى بقولهم : بكرٌ - طعنَّا. وقال الآخر :
أَلَا قَبَحَ الإلهُ بني زياد وحيّ أبيهم قَبْحَ الحِمَار٤
أي : وقبح أباهم الحيَّ الذي يقال له : أبوهم، وليس الحي هنا كقولنا : حيّ مُضَر ونحوه. وهو باب من العربية واسع قد تقصيناه في كتاب الخصائص٥.
والوجه الثاني : أن يكون "عالم" مصدرًا كالفالج والباطل "٨٣ظ" فكأنه قال : وفوق كل ذي علم عليم.
والوجه الثالث : أن يكون على مذهب مَن يعتقد زيادة "ذي"؛ فكأنه قال : وفوق كل عالم عليم.
وقراءة الجماعة :﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ قراءة حسنة محتاط فيها؛ وذلك أنه إذا قال القائل : وفوق كل ذي عالم عليم، كان لفظه لفظ العموم ومعناه الخصوص؛ وذلك لأن الله عز وجل عالم ولا عالم فوقه، وإذا قال : وفوق كل ذي علم عليم، فذلك مستقيم وسليم؛ لأن القديم تعالى خارج
٢ صبحهم : دهمهم في الصباح، والشرع : جمع شِرْعة - بكسر فسكون - وهي الوتر الرقيق، والحبالة التي يصيد بها الصائد. يتحدث عن زرقاء اليمامة؛ إذ أبصرت من مسيرة ثلاثة أيام جيش حسان بن تبع ملك اليمن زاحفًا على اليمامة؛ فأنذرت قومها فلم يصدقوها؛ فصبحهم الجيش واستباحهم. الديوان : ١٠٣، والخصائص : ٣/ ٢٧.
٣ يروى :"فجرى" مكان "بحرا". الخصائص : ٣/ ٢٧، والخزانة : ١/ ٢١٠، واللسان "حيا".
٤ ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري. وزياد هو ابن سمية. الخصائص : ٣/ ٢٨، والخزانة : ٢/ ٢١٠، واللسان "حيا".
٥ الخصائص : ٣/ ٢٤.