منه، ألا تراه - عز وعلا - عالمًا لنفسه بلا علم، والكلام ملاقٍ ظاهره لباطنه، وليس لفظه على شيء ومعناه على غيره.
ومن ذلك قراءة الحسن :"ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وُعَاءِ أَخِيهِ"١ بضم الواو.
قال أبو الفتح : وقرأ سعيد بن جبير :"إِعاءِ أخيه" بهمزة، وأصله : وِعاء، فأبدلت الواو وإن كانت مكسورة همزة، كما قالوا في وِسَادة : إِسَادة، وفي وِجَاح، إِجَاح؛ وهو السِّتر. وهمز وُعاء بالضم أقيس من همز المكسور الواو؛ فعليه يحسن بل يقول أُعاء أخيه. ومثله :﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾٢، وقالوا في وجوه : أُجُوه، وفي وُعِد : أُعِد، وقالوا : أُجْنَةَ٣، قال أبو حاتم : ولم يقولوا : وُجْنَة؛ بل ألزموها الهمز، وقد هُمزت الواو المفتوحة، قالوا : أَحَد، وأصله : وَحَد؛ أعني : أحد عشر ونحوها : من أحد وعشرين إلى فوق.
وأما قولهم : ما بالدار أحد، فقال شيخنا أبو علي : إن الهمزة فيه أصلية؛ لأنه للعموم لا للأَفراد. وقالوا في وَنَاة : أَنَاة، وفي وَجم : أَجم، وفي وَجٍّ للطائف٤ : أَجٌّ، وقال أبو عبيدة : قالوا في وَبَلَةِ٥ الطعام : أَبَلَة. وقال أبو بكر في أسماء اسم امرأة : أصلها وَسْمَاء، فَعْلَاءُ من الوَسامَة، كما قيل لها : حسناء.
ومن ذلك قراءة الحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز٦ :"مِنْ رُوْحِ اللَّهِ"٧.
قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون - والله أعلم - من الرُّوح الذي من الله، ويعني به رُوح ابن آدم، وقد أضيف نحو ذلك إلى الله تعالى. قال لنا أبو علي في قولهم :
إذا رَضِيتْ عليَّ بنو قُشَيْر لعمر الله أعجبني رضاها٨
٢ سورة المرسلات : ١٠، والهمز قراءة الجماعة : و"وُقتت" بضم الواو وتشديد القاف قراءة أبي عمرو ووافقه اليزيدي. الإتحاف : ٢٦٥.
٣ الأجنة : ما ارتفع من الخدين، وفي القاموس :"الوجنة مثلثة، وككلمة، ومحركة، والأجنة مثلثة : ما ارتفع من الخدين".
٤ في القاموس : ووج : اسام وادٍ بالطائف.
٥ وبلة الطعام : تختمه.
٦ هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو حفص الأموي، أمير المؤمنين. وردت الرواية عنه في حروف القرآن، ومناقبه كثيرة، توفي في رجب سنة ١٠١، وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر. طبقات ابن الجزري : ١/ ٥٩٣.
٧ سورة يوسف : ٨٧.
٨ للقحيف العقيلي يمدح حكيم بن المسيب القرشي. انظر : النوادر : ١٧٦، والخصائص : ٢/ ٣١١، ٣٨٩، والخزانة : ٤/ ٢٤٧.