فقال الله عز وجل :"وَأُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا" أي : وأنا أدخلُهم جنات تجرى من تحتها الأنهار بإذن ربهم؛ أي : بإذني، إلا أنه أعاد ذكر الرب ليضيفه إليهم، فتقوى الملابسة باللفظ، فيكون أحنى وأذهب في الإكرام والتقريب منه لهم. ومثله في القرآن :﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾١، وقال :﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾٢، فهذا كله تحقُّق بالله تعالى، وتقرب منه، وانتساب إليه.
ومن ذلك قراءة أنس بن مالك :"كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ثابتٍ أَصْلُهَا"٣.
قال أبو الفتح : قراءة الجماعة :﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ أقوى معنى؛ وذلك أنك إذا قلت :"ثابت أصلها" فقد أجربت ثابتًا صفة على شجرة، وليس الثبات لها؛ إنما هو للأصل. ولعمري إن الصفة إذا كانت في المعنى لِما هو من سبب الموصوف جرت عليه؛ إلا أنها إذا كانت له كانت أخص لفظا به.
وإذا كان الثبات في الحقيقة إنما هو للأصل فالمعتمد بالثبات هو الأصل، فبِقَدْر ذلك ما٤ حسن تقديمه عناية به ومسارعة إلى ذكره، ولأجل ذلك قالوا : زيد ضربته "٨٧ظ" فقدموا المفعول لأن الغرض هنا ليس بذكر الفاعل؛ وإنما٥ هو ذكر المفعول، فقدموه عناية بذكره، ثم لم يُقْنِع ذلك حتى أزالوه عن لفظ الفضلة وجعلوه في اللفظ رَبَّ الجملة، فرفعوه بالابتداء، وصارت الجملة التي إنما كان ذيلًا لها وفضلة ملحقة بها في قولهم : ضربت زيدًا، ثانية له، وواردة في اللفظ بعده، ومسندة إليه، ومخبَرًا بها عنه. وقد تقدم في هذا الكتاب نحو هذا مستقصى.
فكذلك قولك : مررت برجل أبوه قائم، أقوى معنى من قولك : قائم أبوه؛ لأن المخبر عنه بالقيام إنما هو الأب لا رجل؛ ومن هنا ذهب أبو الحسن في نحو قولنا : قام زيد، إلى أن قام في موضع؛ لأنه وقع موقع الاسم؛ لأن تقدير المحدَّث عنه أن يكون أسبق رتبة من الحديث،
٢ سورة الأعراف : ١٩٦.
٣ سورة إبراهيم : ٢٤.
٤ ما زائدة.
٥ في ك : فإنما.