إلا أن لقراءة أنس هذه وجهًا من القياس حسنًا؛ وذلك أن قوله :"ثَابِتٍ أَصْلُها" صفة لشجرة، وأصل الصفة أن تكون اسمًا مفردًا لا جملة، يدل على ذلك أن الجملة إذا جرت صفة للنكرة حُكم على موضعها بإعراب المفرد الذي هي واقعة موقعه.
فإذا قال :"ثَابِتٍ أصلُها" فقد جرى لفظ المفرد صفة على النكرة، وإذا قال :"أصلُها ثابت" فقد وضع الجملة موضع المفرد، فالموضع إذن له لا لها.
فإن قلت : فليس اللفظ مفردًا، ألا ترى أنه ثابت أصلها؟ قيل : هذا لا يبلغ به صورة الجملة؛ لأن ثابتًا جارٍ في اللفظ على ما قبله، وإنما فيه أنه وضع أصلها لتضمنه لفظ الضمير موضع الضمير الخاص بالأول، وليس كذلك "أصلها ثابت"؛ لأن معك صورة الجملة ألبتة، فهذا تقوية لقول أنس.
وكان أبو علي يعتذر من إجازتهم : مررت برجل قائمٌ أبوه، ويقول : إنما ذلك لأن الجملة نكرة، كما أن المفرد هنا لو وقع لم يكن إلا نكرة؛ لأن موصوفه نكرة.
ومن ذلك قراءة ابن عباس والحسن والضحاك ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعمرو بن فائد ويعقوب :"مِنْ كُلٍّ مَا سَأَلْتُمُوهُ"١ بالتنوين.
قال أبو الفتح : أما على هذه القراءة فالمفعول ملفوظ به؛ أي : وآتاكم ما سألتموه أن يؤتيكم منه. وأما على قراءة الجماعة :﴿مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ على الإضافة فالمفعول محذوف؛ أي : وآتاكم سؤلكم من كل شيء؛ أي : وآتاكم ما ساغ إيتاؤه إياكم أياه منه، فهو كقوله عز وجل :﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾٢ أي : أوتيت من كل شيء شيئًًا. وقد سبق ذكرُنا حذف المفعول للعلم به، وأنه مع ذلك عذْب عالٍ في اللغة.
ومن ذلك قراءة الجحدري والثقفي وأبي الْهَجْهاج :"وَأَجْنِبْنِي"٣ بقطع الألف.
قال أبو الفتح : يقال : جنَبتُ الشيء أَجْنُبُه جُنُوبًا، وتميم تقول : أجنَبْتُهُ أُجْنِبُه إِجْنَابًا؛ أي : نَحَّيته عن الشيء. فجنَبتُهُ كصرفته، وأَجنَبتُهُ جعلته جنِيبًا عنه، وكذلك :{وَاجْنُبْنِي
٢ سورة النمل : ٢٣.
٣ سورة إبراهيم : ٣٥.