أي : بالخير. وإن شئت قلت : حمله على المعنى فأضمر له ما ينصبه، وذلك أن قولك : خدعتُ زيدًا عن نفسه، يدخله معنى : انتقصتُه نفسَه، وملكتُ عليه نفسَه، وهذا من أَسَدِّ وأَدمث مذاهب العربية، وذلك أنه موضع يملك فيه المعنى عِنَان الكلام فيأخذه إليه، ويصرِّفه بحسب ما يؤثره عليه.
وجملته : أنه متى كان فعل من الأفعال في معنى فعل آخر، فكثيرًا ما يُجْرَى أحدهما مجرى صاحبه، فيُعْدَلُ في الاستعمال به إليه، ويُحتذى في تصرفه حذو صاحبه، وإن كان طريق الاستعمال والعرف ضد مأخذه، ألا ترى إلى قوله الله جل اسمه :﴿هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾؟١ وأنت إنما تقول : هل لك في كذا؟ لكنه لما دخله معنى : أَجْذِبك إلى كذا وأدعوك إليه، قال :﴿هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾؟ وعليه قول الفرزدق :
كيف تراني قاليا مِجَنِّي قد قتل الله زياداً عني٢
فاستعمل "عن" هاهنا لما دخله من معنى قد صرفه الله عني؛ لأنه إذا قتله فقد صُرف عنه.
وعليه قوله تعالى :﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾٣، وأنت لا تقول : رفثتُ إلى المرأة، وإنما تقول : رفثت بها ومعها، لما كان الرفث بمعنى الإفضاء عُدي بإلى كما يُعدَّى أفضيت بإلى، نحو قولك : أفضيت إلى المرأة، وهو باب واسع ومنقاد، وقد تقصيناه في كتابنا "الخصائص"٤، فكذلك قوله عز وجل :"وَمَا يُخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ" جاء على خَدعْتُه نفسَه، لما كان معناه معنى : انتقصتُه نفسَه، أو تخوَّنتُه نفسَه.
ورأيتُ أبا علي - رحمه الله - يذهب إلى استحسان مذهب الكسائي في قوله "٨و" :
إذا رَضِيَتْ عليَّ بنو قُشَيْر لعمر الله أعجنبي رضاها٥
٢ يُروى :
كيف تراني قاليًا مجني أضرب أمري ظهره للبطن
قد قتل الله زيادًا عني
وكان الفرزدق هرب من البصرة إلى المدينة واختفى فيها؛ خوفًا من زياد بن أبيه لغضبة غضبها عليه، فلما بلغة موت زياد وهو في المدينة ظهر وأنشد هذا الرجز؛ إظهارًا للشماتة به، وفرحًا بالسلامة منه، وا لمجن : الترس، وقلاه كناية عن عدم الحاجة إليه. انظر : ديوان الفرزدق : ٢/ ٨٨١، والخصائص : ٢/ ٣١٠.
٣ سورة البقرة : ١٨٧.
٤ انظر : الخصائص : ٢/ ٣٠٨ وما بعدها.
٥ البيت للقحيف العقيلي، يمدح حكيم بن المسيب القشيري. الخصائص : ٢/ ٣٣١، والنوادر : ١٧٦، والخزانة : ٤/ ٢٤٧، ومختصر شرح شواهد العيني : ٢١٥.