ومن ذلك قراءة الحسن وإبي السَّمَّال :"وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلْمَاتٍ"١ ساكنة اللام.
قال أبو الفتح : لك في ظلمات وكسرات ثلاث لغات : إتباع الضم الضم، والكسر الكسر، ومَن استثقل اجتماع الثقيلين فتارة يعدل إلى الفتح في الثاني يقول : ظُلَمَات وكِسَرات، وأخرى يسكن فيقول : ظُلْمَات وكِسْرَات، وكل جائز حسن.
فأما فَعْلة بالفتح فلَا بُدَّ فيه من التثقيل إتباعًا، فتقول : ثَمَرَة وثَمَرَات، قال :
ولما رأونا باديًا رُكَبَاتُنا على موطن لا نخلط الجِد بالهزل٢
وقال النابغة :
وَمَقْعَدُ أيسار على رُكَبَاتهم ومربطُ أفراس وناد وملعب
وعليه قراءة أبي جعفر٣ :"من وراء الْحُجَرات"٤.
وقال بشر :
حتى سقيناهم بكأس مرة مكروهة حُسَواتها كالعلقم
وقد أسكنوا "٩و" المفتوح، وهو ضروة، قال لبيد :
رُحلن لشقة ونُصبن نصبا لوغْرات الهواجرِ والسَّمُوم٥
وقال ذو الرمة :
أَبت ذكرٌ عَوَّدْنَ أحشاء قلبه خُفُوفًا ورفْضَاتُ الهوى في المفاصل٦
روينا ذلك كله، وروينا أيضًا أن بعض قيس قال : ثلاث ظَبْيَات، فأسكن موضع العين، وروينا عن أبي زيد أيضًا عنهم : شَرْيَة وشَرْيات وهو الحنظل، والتسكين عندي في هذا أسوغ منه في نحو رفْضات ووغْرات، من قِبَل أن قبل الألف ياء محركة مفتوحًا ما قبلها، وهذا شرط اعتلالها بانقلابها ألفًا، وتحتاج أن تعتذر من ذلك بأن تقول :
لو قلبت ألفًا لوجب حذفها لسكونها وسكون الألف بعدها، وليس في نحو : رفضات ما يوجب الاعتذار من الحركة، وكان رفضات أقرب مأخذًا من ثمرات من قِبَل أن رفضة حدث ومصدر،
٢ انظر : الكتاب : ٢/ ١٨٢.
٣ هو الإمام أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني أحد القراء العشرة، تابعي مشهور كبير القدر، ويقال : اسمه جندب بن فيروز، وقيل : فيروز، عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وروى عنهم، وروى القراءة عنه نافع بن أبي نعيم وغيره، مات سنة ١٣٠هـ بالمدينة. طبقات ابن الجزري : ٢/ ٣٨٢.
٤ سورة الحجرات : ٤.
٥ الوغرات : جمع وغرة؛ وهي شدة الحر. وانظر : الديوان : ٦.
٦ رفضات الهوى : ما تفرق من هواها في قلبه. وانظر : الديوان : ٤٠٤.