والمصدر قوي الشبه باسم الفاعل الذي هو صفة، والصفة لا تحرَّك في نحو هذا، نحو : صَعْبة وصَعْبات، وخَدْلة١ وخَدْلات، ويدلك على قوة شبه المصدر بالصفة وقوع كل واحد منهما موقع صاحبه، وذلك نحو قول الله تعالى :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾٢ أي : غائرًا، وقولهم : قم قائمًا؛ أي : قيامًا، وعليه قول الفرزدق :
ألم ترني عاهدت ربي وإنني لبين رِتاج قائمًا ومقام
على حَلْفَة لا أشتُمُ الدهر مسلمًا ولا خارجًا من فيَّ زُورُ كلام٣
أي : ولا يخرج خروجًا. وعليه أيضًا كسروا المصدر، وهو فَعْلٌ عى ما يكسر عليه فاعل في الوصف وهو فواعل. أنشدنا أبو علي :
وإنك يا عم ابن فارس قُرْزُل معيدٌ على قيل الخنا والهواجر٤
يريد جمع هُجْر، فكأنه كسَّر هاجرًا على هواجر.
وأنشدنا أيضًا :
فليتك حال البحر دونك كله وكنت لقى تجري عليه السوائل٥
يريد السيول جمع سيل، وهو كثير جدًّا، فكذلك سَهُل شيئًا إسكان نحو : رَفْضة ووَغْرة؛ لكونهما حدثين ومصدرين لشبههما بالصفة. ويزيد في أُنْسك تسكن عين ما لامه حرف علة لما تُعقبُ من الاعتذار من تحريك عينه، امتناعهم من تحريك العين في فَعْلَة إذا كانت حرف علة، وذلك نحو : جَوْزَات ولَوْزَات وبَيْضَات، ألا ترى أنه لو حرك فقال : جَوَزَات وبَيَضَات؛ لوجب أن يعتذر من صحة العين مع حركتها وانفتاح ما قبلها بأن يقول : لو أعللتُ لوجب القلب، فأقول : جازات وباضات؛ فيلتبس ذلك بما عينه في الواحد ألف منقلبة نحو : قارة٦ وقارات، وجارة
٢ سورة الملك : ٣٠.
٣ رُوي "واقفًا" مكان "قائمًا"، الرتاج : الباب العظيم؛ يعني : باب البيت ومقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ويروى أن الفرزدق حج فعاهد الله بين الباب والمقام ألا يهجو أحدًا، وأن يقيد نفسه حتى يجمع القرآن حفظًا، فلما قدم البصرة قيد نفسه وحلف ألا يطلق قيده عنه حتى يجمع القرآن، وقال :
ألم ترني عاهدت ربي....
انظر : الكتاب : ١/ ١٧٣، وشرح شواهد الشافية : ٧٢ وما بعدها.
٤ البيت لسلمة بن الخرشب الأنماري يخاطب عامر بن الطفيل، قرزل بالضم : اسم فرس كان في الجاهلية، قال ابن الأعرابي : هو فرس عامر بن الطفيل، المعيد : الذي يعاود الشيء مرة بعد مرة. اللسان : قرزل وهجر.
٥ رواه في اللسان "لقي" غير منسوب، واللقي بالفتح : الشيء الملقى لهوانه، وجمعه ألقاه.
٦ القارة : الجبل الصغير المنقطع عن الجبال.