عن حروف من القرآن؛ منها قوله :﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، فقال قتادة :"فاقتالوا أنفسكم"١ من الاستقالة.
قال أبو الفتح : اقتال هذه افتعل، ويصلح أن يكون عينها واوًا كاقتاد، وأن يكون ياء كاقتاس.
وقول قتادة : إنها من الاستقالة، يقتضي أن يكون عينها ياء؛ لما حكاه أصحابنا عمومًا : من قِلت الرجل في البيع بمعنى أقلته، وليس في قِلت دليل على أنه من الياء؛ لقولهم : خِفت ونِمت، وهما من الخوف والنوم؛ لكنه في قولهم في مضارعه : أقيله.
وليس يحسن أن يحمله على مذهب الخليل في طِحت أطيح وتهت أتيه، أنهما فَعِلت أَفْعِل من الواو؛ لقلة ذلك.
وعلى أن أبا زيد قد حكى : ما هت الركِيَّةُ تميهُ٢، ودامت السماء تديم؛ لقلة ما هت تميه، ولأن أبا زيد قد حكى في دامت تديم المصدر وهو دَيْمًا، فقد يكون هذا على أن أصل عينه ياء.
وحدثني أبو علي بحلب سنة ست وأربعين قال : قال بعضهم : إن قِلت الرجل في البيع ونحوه إنما هو من : قُلْتُ له افسخ هذا العقد، وقال لي : قد فعلتُ، فهي عند من ذهب إلى ذلك "١٦و" من الواو.
قال أبو علي : ويفسد هذا ما حكوه في مضارعه من قولهم : أقيله، فهذا دليل الياء.
قال : ولا ينبغي أن يحمل على أنه فَعِلَ يَفْعِلُ من الواو - يريد مذهب الخليل٣ - لقلة ذلك.
قال : لكنه من قولهم : تَقَيَّلَ فلان أباه، إذا رَجَعَتْ إليه أشباه منه. فمعنى أقلته على هذا : أني رجعت له عما كنت عقدته معه، ورجع هو أيضًا؛ فقد ثبت بذلك أن عين استقال من الياء، ولا يعرف في اللغة افتعلت من هذا اللفظ في هذا المعنى ولا غيره؛ وإنما هو استفعلت استقلت.
وقد يجوز أن يكون قتادة عرف هذا الحرف على هذا المثال، وعلى أنه لو كان بمعنى استقلت لوجب أن يُستعمل باللام، فيقال : استقلت لنفسي أو على نفسي، كما يقال : استعطفت فلانًا
٢ ماهت الركية تماه وتموه وتميه موهًا وميهًا ومووهًا وماهة وميهة، فهي ميهة ككيسة وماهة : كثر ماؤها، والركية : البئر.
٣ انظر : المنصف : ١/ ٢٦١.