لنفسي وعلى نفسي، وليس معناه أن يسأل نفسه أن يُقِيلَه؛ وإنما يريد : أن يسأل ربه - عز وجل - أن يعفو عن نفسه. وكان له حرى١ - لو كان على ذلك - أن يقال : فاقتالوا لأنفسكم؛ أي : استقيلوا لها، واستصفحوا عنها.
فأما اقتال متعديًا، فإنما هو في معنى ما يجتره٢ الإنسان لنفسه من خير أو شر ويقترحه، وهو من القول. قال :
بما اقتال من حُكْم عَلَيَّ طبيبُ٣
أي : بما أراده واقترحه واستامه، وليس معنى هذا معنى الآية، بل هو بضده؛ لأنه بمعنى استَلِينُوا واستعطفوا. هذا ما يُحْضِرُه طريق اللغة، ومذهب التصريف والصنعة، إلا أن قتادة ينبغي أن يحسن الظن به، فيقال : إنه لم يورد ذلك إلا بحجة عنده فيه من رواية أو دراية.
ومن ذلك قراءة سهل بن شعيب النهمي٤ :"جَهَرةً"٥ "وزَهَرةً"٦، كل شيء في القرآن محرَّكًا.
قال أبو الفتح : مذهب أصحابنا في كل شيء من هذا النحو مما فيه حرف حلقي ساكن بعد حرف مفتوح : أنه لا يحرك إلا على أنه لغة فيه؛ كالزَّهْرة والزَّهَرة، والنَّهْر والنهَر، والشَّعْر والشَّعَر، فهذه لغات عندهم كالنشْز٧ والنشَز، والحلْب والحلَب، والطرْد٨ والطرَد.
ومذهب الكوفيين فيه أنه يحرك الثاني لكونه حرفًا حلقيًّا، فيجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه؛ كالبحْر والبحَر والصخْر والصخَر.
وما أرى القول من بعد إلا معهم، والحق فيه إلا في أيديهم؛ وذلك أنني سمعت عامة عُقَيل تقول ذاك ولا تقف فيه سائغًا غير مستكره، حتى لسمعت الشجري يقول : أنا محَموم بفتح الحاء، وليس أحد يدعي أن في الكلام مفَعول بفتح الفاء.

١ حرى : وجه، فمن معاني الحرى : الناحية.
٢ يجتر : يجر.
٣ صدره كما في النوادر ٢٤٤ :
ولو أن مَيْتًا يُفْتَدَى لفديتُه
وهو في المنصف ٣/ ٩٢ :
ومنزلة في دار صدق وغبطة وما اقتال.............
والبيت لكعب بن سعد الغنوي.
٤ سهل بن شعيب : كوفي عرض على عاصم بن أبي النجود وعلى أبي بكر بن عياش، روى القراءة عنه عبد الله بن حرملة بن عمرو. طبقات القراء لابن الجزري : ١/ ٣١٩.
٥ سورة البقرة : ٥٥.
٦ سورة طه : ١٣١.
٧ النشز : المكان المرتفع من الأرض.
٨ الطرد : مزاولة الصيد.


الصفحة التالية
Icon