عن الرياشي عن أبي زيد قال : تقول : دَنُؤ الرجل يَدْنُؤ دناءَة، وقد دَنأ يدنأ إذا كان دنيئًا لا خير فيه، غير أن القراءة بترك الهمز :"أدنى"، وينبغي أن يكون من دنا يدنو؛ أي : قريب.
ومنه قولهم في المعنى : هذا شيء مقارب للشيء ليس بفاخر ولا موصوف في معناه، ومن هذه المادة قولهم : هذا شيء دونٌ؛ أي : ليس بذاك، وقولهم : هذا دونك، فينتصب هذا على الظرف؛ أي : هو في المحل الأقرب، وينبغي أن يكون "دون" من١ قولك : هذا رجل دون، وصفًا على فُعْل كحُلْو ومُر، ورجل جُدٍّ٢؛ أي : ذي جَدٍّ.
وقد يجوز أن يكون في الأصل ظرفًا ثم وصف به، ويُؤنِّسُ هذا المذهب الثاني أنَّا لا نعرف فعلًا تصرف من هذا اللفظ كدان يدون ولا نحوه، ولو كان في الأصل وصفًا لكان حرى أن يستعملوا منه فِعلا؛ كقولهم : قد حلا يحلو، ومن يَمَرُّ وأَمَرَّ يُمِرُّ، وقد جَدِدْتَ يا رجل. قال الكميت :
وجدت الناس غير ابني نزار ولم أذمهم شرطًا ودُونَا٣
ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم :"ما سِأَلْتم"٤ بكسر السين.
قال أبو الفتح : فيه نظر؛ وذلك أن هذه الكسرة إنما تكون في أول ما عينه معتلة كبِعت وخِفت، أو في أول فُعِل إذا كانت عينه معتلة أيضًا كقِيل وبِيع وحِلَّ وبِلَّ؛ أي : حُلَّ وبُلَّ، وصِعْق الرجل نحوه، إلا أنه لا تكسر الفاء في هذا الباب إلا والعين ساكنة أو مكسورة كنعم وبئس وصِعْق، فأما أن تكسر الفاء والعين مفتوحة في الفعل فلا.
فإذا كان كذلك فقراءتهما "سِأَلْتم" مكسورة السين مهموزة غريب، والصنعة في ذلك : أن في سأل لغتين : سِلْتَ تَسَال كخِفْتَ تَخَاف، وسأَلْتَ تَسْأَل كسَبَحَتَ تَسْبَح، فإذا أَسندت الفعل إلى نفسك قلت على لغة الواو : سِلْتُ كخِفْتُ، وهي من الواو؛ لما حكاه أصحابنا من قولهم : هما يتساولان.
ومن همز قال : سألت، فأما قراءته٥ :"سِأَلْتم"، فعلى أنه كسر الفاء على قول مَن قال :"سِلْتُم" كخِفْتُم، ثم تنبه بعد ذلك للهمزة، فهمز العين بعدما سبق الكسر في الفاء فقال :"سِأَلْتم"؛ فصار ذلك من تركيب اللغة.
٢ عظيم الحظ.
٣ الشرط : الدون، وانظر اللسان :"شرط".
٤ سورة : البقرة : ٦١.
٥ في ك : قراءة.