ومثله ما رويناه عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى من قول بلال بن جرير :
إذا جِئْتَهم أو سآيلْتَهُم وجدتَ بِهِمْ علَّة حاضِرَه١
"١٨و" وذلك أنه أراد فاعلتهم ساءلتهم.
ومن العادة أيضًا أن تُقلب الهمزة في هذا الثاني، فيقال : سايلت زيدًا، ثم إنه أراد الجمع بين العوض والمعوض منه، فلم يمكنه أن يجمع بينهما في موضع واحد كالعرف في ذلك؛ لأنه لا يكون حرفان واقعين في موضع واحد عينين كان أو غيرهما، فأجاءه الوزن إلى تقديم الهمزة التي هي العين قبل ألف فاعلت، ثم جاء بالياء التي هي بدل منها بعدها؛ فصار سآيلتهم٢.
فإن قيل ما مثال : سآيلتهم؟
قلت : هو فعاعلتهم؛ وذلك لأن الياء بدل من الهمزة التي هي عين، والبدل من الشيء يوزن بميزانه، ألا ترى أن من اعتقد في ياء أَيْنُق أنها عين أبدلت قال هي أَعْفُل؛ لأن الياء بدل من الواو التي هي عين نُوق، فالياء إذن عين في موضع العين، كما كانت الواو لو ظهرت في موضع العين، كما أن ياء ريح وعيد في المثال عين فِعْل، كما كانت الواو التي الياء بدل منها عين فعل في رِوْح وعِوْد، وهذا واضح.
وكذلك قوله أيضًا :"سِأَلْتم" بكسر الفاء على حد كسرها في سِلتم، ثم استذكر الهمزة في اللغة الأخرى فقال : سِأَلْتم، ويجوز أيضًا أن يكون أراد سَأَلْتم، فأبدل العين ياء كما أبدلها الآخر في قوله :
سالَتْ هذيلٌ رسول الله فاحشةً ضلَّتْ هذيلٌ بما قالت ولم تُصِبِ٣
فصار تقديره على هذا إلى سِلْتُم من الوجه؛ أي : من طريق البدل، لا على لغة مَن قال : هما يتساولان، فلما كسر السين استذكر الهمزة فراجعه هنا، كما راجعه في القول الأول.

١ انظر : الخصائص : ٣/ ١٤٦، والبحر المحيط : ١/ ١٣٥.
٢ قال في الخصائص ٣/ ١٤٦ :"يريد ساءلتهم، فإما زاد الياء وغير الصورة فصار مثاله : فعايلتهم، وإما أراد ساءلتهم كالأول، إلا أنه زاد الهمزة الثانية فصار تقديره : سآءلتهم بوزن : فعاءلتهم، فجفا عليه التقاء الهمزتين هكذا، ليس بينهما إلا الألف، فأبدل الثانية ياء...."، وعبارة الخصائص :"زاد الهمزة الأولى..."، والكلام مع كلمة "الأولى" متناقض.
٣ البيت لحسان، وبعده :
سألوا رسولهم ما ليس معطيهم حتى الممات وكانوا سبة العرب
والفاحشة التي سألتها هذيل أن يحل الرسول لها الزنا. الكتاب : ٢/ ١٣٠، ١٧٠، وشواهد الشافية ٣٣٩.


الصفحة التالية
Icon