وقد أفردنا في كتاب الخصائص بابًا في أن صاحب اللغة قد يعتبر لغة غيره ويراعيها١؛ فأغنى عن إعادته هنا.
ومن ذلك قراءة أبي السَّمَّال، رواها أبو زيد فيما رواه ابن مجاهد :"وَالَّذِينَ هَادَوْا"٢ بفتح الدال.
قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون فاعَلوا من الهداية؛ أي : رامُوا أن يكون أهدى من غيرهم، كقولك : رامَوْا من رميت٣، وقاضَوْا من قضيت، وساعَوْا من سعيت، فيقول في مصدر هادَوا : مهاداة؛ كقاضوا مقاضاة، وساعوا مساعاة، وقد هودِي الرجل يُهَادى مهاداة، إذا كان حوله من يمسكه ويهديه الطريق، ومنه قولهم في الحديث :"مر بنا يهادى بين اثنين"، ومنه قوله :
من أن يرى تهديه فتـ يان المقامة بالعشيه٤
ومن ذلك قراءة قتادة :"وَإِنْ مِنَ الْحِجَارَةِ"٥، وكذلك قراءته :"وَإِنْ مِنْهَا"٦ مخففة.
قال ابن مجاهد : أحسبه أراد بقوله مخففة الميم؛ لأني لا أعرف لتخفيف النون معنى.
قال أبو الفتح : هذا الذي أنكره ابن مجاهد صحيح؛ وذلك أن التخفيف في إِنَّ المكسورة شائع عنهم؛ ألا ترى إلى قول الله تعالى :﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾٧، ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾٨ أي : إنهم على هذه الحال. وهذه اللام لازمة مع تخفيف النون
٢ سورة البقرة : ٦٢.
٣ في نسختي الأصل : راميت، وهو مخالف لسياق الكلام.
٤ لزهير بن جندب الكلبي، وقبله :
والموت خير للفتى فليهلكن وبه بقيه
ويُروى بيت الشاهد :
من أن يرى الشيخ البجا ل وقد يهادى بالعشيه
ويروى "وليهلكن" مكان "فليهلكن". ورجل بجال وبجالة وبجولة : وهو السيد العظيم مع جمال ونبل، وقد بجل ككرم بجالة وبجولة. وانظر : المعمرين : ٢٦، وطبقات الشعراء للجمحي : ٢.
٥ سورة البقرة : ٧٤.
٦ أي : من قوله تعالى :"وَإِنْ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" سورة البقرة : ٧٤.
٧ سورة الفرقان : ٤٢.
٨ سورة القلم : ٥١.