فرقًا بين إِنْ مخففة من الثقيلة، وبين إِنْ التي للنفي بمنزلة "ما" في قوله سبحانه :﴿إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾١، وقوله :
فما إنْ طبنا جُبْنٌ ولكن منايانا ودولة آخرينا٢
وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة الأعمش :"لما يَهْبُطُ"٣ بضم الباء.
قال أبو الفتح : قد بينا في كتابنا "المنصف"٤ - وهو تفسير تصريف أبي عثمان - "١٨ظ" أن باب فَعَل المتعدي أن يجيء على يفعِل مكسور العين؛ كضرب يضرب وحبس يحبس، وباب فَعَل غير المتعدي أن يكون على يفعُل مضموم العين؛ كعقد يقعد وخرج يخرج، وأنهما قد يتداخلان فيجيء هذا في هذا، وهذا في هذا؛ كقتل يقتُل، وجليس يجلِس، إلا أن الباب ومجرى القياس على ما قدمناه، فهبط يهبُط على هذا بضم العين أقوى قياسًا من يهبِط، فهو كسقط يسقط؛ لأن هبط غير متعدٍّ في غالب الأمر كسقط.
وقد ذُهب في هذا الموضع إلى أن هبط هنا متعد، قالوا ومعناه : لما يهبُطُ غيره في طاعة الله عز وجل؛ أي : إذا رآه الإنسان خشع لطاعة خالقه، إلا أنه حُذف هنا المفعول تخفيفًا، ولدلالة المكان عليه، ونسب الفعل إلى الحجر؛ لأن طاعة رائيه لخالقه إنما كانت مسببة عن النظر إليه؛ أي : منها ما يهبُط الناظر إليه؛ أي : يُخْضِعه ويُخْشِعه، وقد جاء هبطته متعديًا كما ترى، قال :
ما راعني إلا جناح هابطا على البيوت قَوطَهُ العلابِطَا٥
وأعمله في القوط، فعلى هذا تقول : هبط الشيء وهبطته، وهلك الشيء وهلكته، قالوا في قول العجاج :
ومهمهٍ هالِك من تَعرَّجا٦
٢ البيت لفروة بين مسيك المرادي. ويروى "وما" مكان "فما". والطب : العادة. وانظر : الخصائص : ٣/ ١٠٨، والخزانة ٢/ ١٢١.
٣ سورة البقرة : ٧٤.
٤ انظر : المنصف : ١/ ١٨٦.
٥ جناح : اسم راع، والقوط : القطيع من الغنم، والعلابط : واحدها علبطة؛ وهي القطيع أيضًا لا يقل عن خمسين، والبيت من ثلاثة أبيات رواها أبو زيد في النوادر : ١٧٣، انظر : الخصائص : ٢/ ٢١١.
٦ بعده :
هائلة أهواله من أدلجا
والتعريج : حبس المطية على المنزل. وانظر : الديوان : ٩، والخصائص : ٥/ ٢١٠.