فإن قلت : فقد أقول : مررت برجل قام فضرب١ زيدا، فكيف جاز العطف هنا؟ قيل : إنما عطفت صفة على صفة، ولم تعطف الصفة على الموصوف من حيث كان الشيء لا يعطف على نفسه لفساده.
ومن ذلك قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار وأبي زرعة بن عمرو بن جرير :"بِأَرْبَعَةٍ شُهَدَاء"٢، بالتنوين.
قال أبو الفتح : هذا حسن في معناه؛ وذلك أن٣ أسماء العدد من الثلاثة إلى العشرة لا تضاف إلى الأوصاف، ولا يقال : عندي ثلاثة ظريفين٤ إلا في ضرورة إلى إقامة الصفة مقام الموصوف، وليس ذلك في حسن وضع الاسم هناك، والوجه عندي ثلاثة ظريفون٥. وكذلك قوله :"بِأَرْبَعَةٍ شُهداءَ" لتجري "شهداء" على٦ "أربعة" وصفا؛ فهذا هذا.
فأما وجه قراءة الجماعة :﴿بِأَرْبَعَةِ شُهداءَ﴾ بالإضافة [١١٠ظ] فإنما ساغ ذلك لأنهم قد استعملوا الـ"شهداء" استعمال الأسماء؛ وذلك كقولهم : إذا دفن الشهيد صلت عليه الملائكة، وعد الشهداء يومئذ فكانوا كذا وكذا، ومنزلة الشهيد عند الله مكينة. فلما اتسع ذلك عنهم جرى عندهم مجرى الاسم؛ فحسنت إضافة اسم العدد إليه حسنها إذا أضيف٧ إلى الاسم الصريح أو قريبا من ذلك.
واعلم منْ بَعْدُ أن الصفات لا تتساوى أحوالها في قيامها مقام موصوفاتها، بل بعضها في ذلك أحسن من بعض، فمتى دلت الصفة على موصوفها حسنت إقامتها مقامه، ومتى لم تدل على موصوفها قبحت إقامتها مقامه. فمن ذلك قولك : مررت بظريف، فهذا أحسن من قولك : مررت بطويل؛ وذلك أن الظريف لا يكون إلا إنسانا مذكرا ورجلا أيضا، وذلك أن الظُّرف

١ في ك : يضرب، وهو تحريف.
٢ سورة النور : ٤.
٣ في ك : لأن.
٤ في ك : طريقين، جمع طريق، كسكيت، وهو الكثير الأطراق.
٥ في ك : طريقون.
٦ في ك : على أن، وهي زيادة لا وجه لها.
٧ كذا في ك، وفي الأصل : أضيفت.


الصفحة التالية
Icon