إنما هو حسن العبارة، وأنه أمر١ يخص اللسان؛ فظريف إذا مما يختص الرجال دون الصبيان؛ لأن الصبي في غالب الأمر لا تصح له صفة الظرف، وليس كذلك٢ قولنا : مررت بطويل؛ لأن الطويل قد يجوز أن يكون رجلا، وأن يكون رمحا، وأن يكون حبلا وجذعا، ونحو ذلك. فهذا هو الذي يقبح، والأول هو الذي يحسن، فإن قام دليل من وجه آخر على إرادة الموصوف ساغ وضع صفته موضعه، فاعرف ذلك واعتبره بما ذكرنا.
وإنما قبح حذف الموصوف من موضعين :
أحدهما أن الصفة إنما لحقت الموصوف إما للتخصيص والبيان، وأما للإسهاب والإطناب، وكل واحد من هذين لا يليق به الحذف، بل هو من أماكن الإطالة والهضب٣.
واعلم أن الصفة كما تفيد في الموصوف فكذلك قد يفيد الموصوف في صفته، ألا تراك إذا قلت : مررت بغلام طويل فقد علم أن طويلا هنا إنسان. ولو لم يتقدم ذكر الغلام لم يُعلم أنه لإنسان أو غيره : من الرمح، أو الجذع، ونحوهما. وكذلك قد علم بقولك : طويل، أن الرجل طويل وليس بربعة ولا قصير، وهذا أحد ما خلط الموصوف بصفته حتى صارت معه كالجزء منه، وذلك لتساويهما في إفادة كل واحد منهما في صاحبه ما لولا مكانه لم يُفِد فيه.
ومن ذلك قراءة الأعرج بخلاف وأبي رجاء وقتادة وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون، ورويت عن عاصم :"أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ"٤ "أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ"٥.
وقرأ :"أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ" رفع وخفف النون، و"أَنَّ غَضَبُ اللَّهِ" نصب - يعقوب.
قال أبو الفتح : أما من خفف ورفع فإنها عنده مخففة من الثقيلة وفيها إضمار محذوف للتخفيف، أي : أنه لعنةُ الله عليه وأنه غضبُ الله عليها، فلما خففت أضمر اسمها وحذف، ولم يكن من إضماره بد؛ لأن المفتوحة إذا خففت لم تصر بالتخفيف حرف ابتداء، وإنما تلك إن المكسورة، وعليه قول الشاعر :
٢ سقطت "كذلك" في ك.
٣ الهضب : الإفاضة في القول.
٤ سورة النور : ٧.
٥ سورة النور : ٩.