ويحسِّن ذلك هنا أيضا شيء آخر، وهو أن الرحمة كأنها أسبق رتبة من المغفرة؛ وذلك أنه "سبحانه" إنما يرحم فيغفر، فكأن رتبة الرحمة أسبق في النفس من رتبة المغفرة؛ فلذلك جاز، بل حسن تعليق اللام في "لهن" بنفس "رحيم" وإن كان بعيدا عنها؛ لما ذكرناه من كون الرحمة سببا١ للمغفرة. فإذا كانت في الرتبة قبلها معنًى حسن أن تكون قبلها لفظا أيضا.
فإن جعلت "رحيم" صفة لـ"غفور" لم يجز أن تعلِّق في٢ "لهن" بنفس "رحيم"؛ لامتناع تقدم الصفة على موصوفها. وإذا لم يجز أن يُنوى تقديمها عليه لم يجز أن تضع ما تعلق بها قبله لأنه إنما يجوز أن يقع المعمول بحيث يجوز أن يقع العامل فيه، وأنت إذا جعلت رحيما صفة لـ"غفور" لم يجز أن تقدمه عليه؛ لامتناع جواز تقدم الصفة على موصوفها إذا كانت حالة منه محل آخر أجزاء الكلمة من أولهما، فاعرف ذلك.
ومن ذلك قراءة نصر بن عاصم :"فِي زَجَاجَةٍ الزَّجَاجَةُ"٣ بفتح الزاي فيهما.
قال أبو الفتح : فيها ثلاث لغات : زَجَاجَة، وزُجَاجَة، وَزِجَاجَة : بالفتح، والضم، والكسر. وفي الجمع زَجَاج، وزُجاج، وزِجاج : كنَعامة، ونَعام، ورُقاقة ورقُاق، وعِمامة وعِمام. حكى بعضهم : وضعوا عِمامَهُم عن رءوسِهم، يريد : عمائمهم. فقد يكون كزِجاجة وزِجاج، ويجوز أيضا أن يكون جمعا مكسران كظريف وظِراف، ودرع دِلاص٤ وأدرُع دِلاص، وناقة هِجان٥ وأينُق هِجَان.
ويدل على أنه تكسير - وليس كَجُنُب مما يقع للواحد فما فوقه بلفظ واحد - قولهم : هِجانان، وكذلك أيضا زَجاج جمع زَجاجة وزِجاجة وزُجاجة تكسير الجمع على ما مضى لا على
٢ كذا في نسختي الأصل ولا محل لها هنا.
٣ سورة النور : ٣٥.
٤ درع دلاص : ملساء لينة.
٥ ناقة هجان : بيضاء.