قال أبو الفتح : المشكل من هذا "يَوَقَّدُ"؛ وذلك أن أصله يتوقد، فحذف التاء لاجتماع حرفين زائدين في أول الفعل، وهما الياء والتاء المحذوفة. والعرف في هذا أنه إنما تحذف التاء إذا كان حرف المضارعة قبلها تاء، نحو "تَفَكَّرُون" و"تَذَكّرُون"، والأصل تتفكرون وتتذكرون؛ فيكره اجتماع المثلين زائدين، فيحذف الثاني منهما طلبا للخفة بذلك. وليس في يتوقد مثلان فيحذف أحدهما، لكنه شبه حرف مضارعة بحرف مضارعة، أعني شبه الياء في يتوقد بالتاء الأولى في تتوقد؛ إذ كانا زائدين، كما شبهت التاء والنون في تَعِد ونَعِد بالياء في يَعِد، فحذفت الواو معهما كما حذفت مع الياء في يعد.
وقياس من قال :"يَوَقَّد" - على ما مضى - أن يقول أيضا : أنا أَوَقَّدُ، ونحن نَوَقَّدُ؛ فتشبه النون والهمزة بالتاء، كما شبه الياء بها فيما مضى.
ونحو من هذا قراءة من قرأ :"نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ"١، وهو يريد : نُنْجِي المؤمنين؛ فحذف النون الثانية وإن كانت أصلية، وشبهها - لاجتماع المثلين - بالزائدة. فهذا تشبيه أصل بزائد لاتفاق اللفظين، والأول تشبيه حرف مضارعة بحرف مضارعة، لا لاتفاق اللفظين، بل٢ لأنهما جميعا زائدان.
ومن ذلك قراءة ابن عباس :"ولَوْ لَمْ يَمْسَسْهُ نارٌ"٣، بالياء.
قال أبو الفتح : هذا حسن مستقيم؛ وذلك لأن هناك شيئين حسنا التذكير هنا : أحدهما الفصل بالهاء، والآخر أن التأنيث ليس بحقيقي. فهو نظير قول الله "سبحانه" :﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾٤، بل إذا جاز تذكير فعل "الصيحة" مع أن فيها علامة تأنيث فهو من النار التي لا علامة تأنيث فيها أمثل.
فأما قولهم : نعم المرأة هند بالتذكير فإنما جاز - وإن كان التأنيث حقيقيا، ولا فصل هناك - من قبل أن المرأة هنا ليست مقصودا قصدها، وإنما هي جنس؛ لأنها فاعل نعم، والأجناس عندنا إلى الشياع والتنكير.
٢ سقطت "بل" في ك.
٣ سورة النور : ٣٥.
٤ سورة هود : ٦٧.