ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير وأبي مجلز :"والإيصَالِ"١.
قال أبو الفتح : يريد وقت الإيصال، وهو قبل الغروب. وقد مضى القول عليه٢.
ومن ذلك ما حكاه عبد الله بن إبراهيم العمّي الأفطس، قال : سمعت مسلمة يقرأ :"كَسَرَابٍ بِقِيعَات"٣، بالألف.
قال أبو الفتح : كذلك في كتاب ابن مجاهد :"بِقيِعَاةٍ"، بالهاء بعد الألف. والذي قاله جائز؛ وذلك أن نظير قولهم : قِيعَةٌ وقِيعَاةٌ في أنه فِعْلَة وفِعْلَاة لمعنى واحد قولهم : رَجل عِزْهٌ وعِزْهَاةٌ : الذي لا يقرب النساء واللهو، فهذا فِعْلٌ وفِعْلَاة، وذلك فِعْلَة وفِعْلَاة، ولا فرق بينهما غير الهاء، وذلك ما لا بال به.
وقد يجوز أن يكون قيعات بالتاء جمع قِيعَة، كدِيمة ودِيمات، وقِيمة وقِيمات. وأما قيعة فيكون واحدا كديمة ويجوز أن يكون جمع قاع، كَنارٍ ونِيرَة - جاء في شعر الأسود - وجارٍ وجِيرَة. ومثله من الصحيح العين وَلَدٌ ووِلْدٌة، وأخٌ وإِخْوَة؛ لأن أخا عندنا فَعَل.
ووجه ثالث، وهو أن يكون أراد "بِقِيعة"، فأشبع فتحة العين، فأنشأ عنها ألفا، فقال :"بقيعاة". ونظيره قول ابن هرمة يرثي ابنه :
فأنْتَ مِنَ الغوائِلِ حِينَ تُرْمَى ومِنْ ذمّ الرِّجالِ بِمُنتَزَاحِ٤
أراد بمنتزح، فأشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفا، وقد تقصينا ذلك فيما مضى، فإذا أراد بالقيعات الجمع فهو كقول الآخر :
كأنَّ بالقيعاتِ مِنْ رُغَاهَا مِمَّا نَفَى بالليلِ حَالِبَاهَا
أَمْنَاءُ قُطْن جَدَّ حَالِجَاهَا٥

١ سورة النور : ٣٦.
٢ انظر الصفحة ٢٠٧ من الجزء الأول.
٣ سورة النور : ٣٩.
٤ المحتسب : ١ : ١٦٦.
٥ الأمناء : جمع منا، وهو ميزان. يشبه ما تفرق في القيعات من رغوة لبنها بقطع منثورة من القطن جد حالجها في نثرها.


الصفحة التالية
Icon