والمفعول محذوف، معناه شربن الماء في جملة ماء البحر. وفي هذا التأويل ضرب من الإطالة والبعد، واعلم منْ بعدُ أن هذه الباء إنما تزاد في هذا النحو كقوله :﴿يَذْهَبُ بِالْأَبْصَار﴾، ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ لتوكيد معنى التعدي. كما زيدت اللام لتوكيد معنى الإضافة في قولهم :
يا بُؤسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّارًا لِأَقْوَامِ١
وكما زيدت الياءان لتوكيد معنى الصفة في أَشقريٌّ ودَوَّارِيٌّ وكَلَّابِيٌّ٢، وكما زيدت التاء لتوكيد معنى التأنيث في فَرَسَة وعَجُوزَة، فاعرف ذلك، ولا ترين الباء في :﴿يَذْهَبُ بِالْأَبْصَار﴾ مزيدة زيادة ساذجة. وإن شئت حملته على المعنى. حتى كأنه قال : يكاد سنى برقه يلْوِي بالأبصار أو يستأثر بالأبصار على ما مضى من قوله "تعالى" :﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾٣.
ومن ذلك قراءة علي عليه السلام والحسن بخلاف، وابن أبي إسحاق :"إِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ"٤، بالرفع.
قال أبو الفتح : أقوى القراءتين إعرابا ما عليه الجماعة من نصب "القول" وذلك أن في شرط اسم كان وخبرها أن يكون اسمها أعرف من خبرها، وقوله "تعالى" ﴿أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ أعرف من قول المؤمنين؛ وذلك لشبه "أنْ" وصلتها بالمضمر من حيث كان لا يجوز وصفها، كما لا يجوز وصف المضمر، والمضمر أعرف من قول المؤمنين؛ فلذلك اختارت الجماعة أن تكون "أنْ" وصلتها اسم كان. ومثله ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾٥ أي : إلا قولُهم على ما مضى فأما قولهم :
٢ من قول العجاج :
والدهر بالإنسان دوارى
وقوله أيضا :
غضف طواها الأمس كلابي
وانظر الصفحتين : ٣١٠، ٣١١ من الجزء الأول.
٣ سورة البقرة : ١٨٧.
٤ سورة النور : ٥١.
٥ سورة الأعراف : ٨٢.