الزائدين في نحو قولهم : أنتم تَفكرون "١١٥و" وتَطهّرون، وأنت تريد : تتفكرون وتتطهرون ونحوه قراءة من قرأ :"وَكَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤْمِنِين"، ألا تراه يريد : ننجِّي، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا لما ذكرنا؟ وقد تقدم القول على ذلك في سورة النور١.
وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو :"وَنُزِلَ الْمَلائِكَةُ"، خفيفة.
قال أبو الفتح : هذا غير معروف؛ لأن "نَزَلَ" لا يتعدى إلى مفعول به فيبنى هنا للملائكة؛ لأن هذا إنما يجيء على نَزَلتُ الملائكةَ، ونُزِل الملائكةُ. وَنَزَلْت غير متعدّ كما ترى.
فإن قلت : فقد جاء فُعِل مما لا يتعدى فَعَلَ منه، نحو زُكِمَ، ولا يقال زَكَمَه الله. وجُنّ، ولا يقال جنَّه الله. وإنما يقال : أزكمه الله، وأَجَنَّه الله - فإن٢ هذا شاذ ومحفوظ، والقياس عليه مردود مرذول. فإما أن يكون ذلك لغة طارقة لم تقع إلينا، وإما أن يكون على حذف المضاف، يريد : ونُزِل نُزولُ الملائكة، ثم حُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه على ما مضى، فأقام "الملائكة" مقام المصدر الذي كان مضافا إليها، كما فعل ذلك الأعشى في قوله :
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ ليلةَ أَرْمَدا٣
إنما يريد اغتماض ليلة أرمد فنصْبُ ليلة إذًا إنما هو على المصدر لا على الظرف؛ لأنه لم يُرد : ألم تغتمض عيناك في ليلة أرمد، وإنما أراد : ألم تغتمض عيناك من الشوق والأسف اغتماضا مثل اغتماض ليلة رَمِد العين. ومثله قول العجاج.
حَتَّى إذا صَفُّوا لَهُ جِدارا٤
"فجدارا" الآن منصوب نصب المصدر، وليس منصوبا على أنه مفعول به، كقولك : صففتَ قدمَك، إنما يريد : اصطفوا له اصطفاف جدار؛ فحذف الاصطفاف، وأقام "الجدار"

١ انظر الصفحة ١١١ من هذا الجزء.
٢ في ك : وأن، وهو تحريف.
٣ عجزه :
وبت كما بات السليم مسهدا
والبيت مطلع قصيدة مدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عزم على الإسلام فصدته قريش. والسليم : اللديغ. وانظر الديوان : ١٣٥، والخصائص : ٣ : ٣٢٢، ومختصر الشواهد للعيني : ١٨٠.
٤ انظر الديوان : ٢٤، والبيت من أرجوزة في مدح الحجاج.


الصفحة التالية
Icon