ومن ذلك قراءة محمد بن السميفع :"فَتَبَسَّمَ ضَحِكًا مِنْ قَوْلِهَا"١، بفتح الضاد بغير ألف.
قال أبو الفتح :"ضَحِكًا" منصوب على المصدر بفعل محذوف يدل على عليه تبسم، كأنه قال : ضَحِكَ ضَحِكًا. وهذا مذهب صاحب الكتاب، وقياس قول أبي عثمان في قولهم : تَبَسَّمْتُ وميضَ البرقِ، أنه منصوب بنفس "تبسمتُ"؛ لأنه في معنى أومضت، ويكون٢ "ضحِكًا" منصوبًا بنفس تبسم؛ لأنه في معنى ضحك.
ويدل على مذهب صاحب الكتاب أنه قد ثبت أن الماضي والمضارع واسم الفاعل والمصدر يجري كل واحد منها مجرى صاحبه، حتى كأنه هو. ويجب أن تكون كلها من لفظ واحد، كضرب يضرب ضربا وهو ضارب، فكما لا يجوز أن يقول : قعد يجلس وإن كانا في معنى واحد دون أن يكون من لفظ واحد وهو قعد يقعد، ولا يجوز تبسَّم يُومِض؛ لاختلاف لفظيهما وإن كان معنياهما واحد - فكذلك لا يجوز تبسمت وميض البرق؛ لاختلاف لفظيهما، كما لا يجوز تبسمتُ أُومِض، لكن دل تبسمت على أومضت، فكأنه قال : أومضت وميض البرق، فاعرف ذلك وقسه بإذن الله.
ومن ذلك قراءة ابن عباس في رواية وهب بن منبه :"أنْ لَا تَغْلُوا"٣، بالغين معجمة.
قال أبو الفتح : غَلَا في قوله غُلُوًّا، وغلا السعرُ يغلُو غَلَاء. فصلوا بينهما في المصدر وإن اتفقا في الماضي، وهذا أحد ما يدل على ما قدمناه أيضا من أن الماضي والمضارع واسم الفاعل والمصدر تجري مجرى المثال الواحد، فإذا خولف فيها بين المصادر قام ذلك الخلاف مقام ما كان يجب من اختلاف الأمثلة لاختلاف ما تحتها من المعاني المقصودة؛ وذلك أن أعدل اللغة اختلاف الألفاظ لاختلاف المعاني، فإن اتفقت الألفاظ اختلفت الأمثلة، فإن اتفقت الألفاظ والأمثلة، ووقع التغيير في بعض المُثُل قام مقام تغييرها كلها. وذلك نحو غلا يغلو في القول والسعر.
فلما اتفق اللفظان والمِثْلان في الماضي والمضارع خالفوا بين مصدريهما؛ ليكون ذلك كالخلاف
٢ في ك : أو، وهو تحريف.
٣ سورة النمل : ٣١.