ومن ذلك قراءة ابن السميفع وابن محيصن :"تَكُنُّ صُدُورُهُمْ١" بفتح التاء. وضم الكاف.
قال أبو الفتح : المألوف في هذا : أَكْنَنْتُ الشيءَ : إذا أخفيتَه في نفسك. وكَنَنْتُه : إذا سترته بشيء، فأكننت كأضمرت، وكَنَنْتُ كسترت٢. فأما هذه القراءة :"تَكُنُّ صُدُورُهُمْ
" [١٢٠ظ] فعلى أنه أجرى الضمير٣ لها مجرى الجسم الساتر لها مبالغة؛ وذلك لأن الجسم أقوى من العَرَض، وهذا نحو من قوله :
وحَاجَةٌ دونَ أُخْرَى قَدْ عَرَضْتُ لها جَعَلْتُها لِلَّتِي أَخْفَيْتُ عُنْوَانا٤
فأجرى ما يخفيه الضمير ويبرزه البوح به مجرى ما يدرك باللمس؛ تنويها به، ومُبَادَاة للحس بإدراكه، وقد مر به بعض المولدين، فقال :
حُبِّي لَهُ جِسْمٌ وَحُبْـ ـبُّ الناسِ كُلِّهِمُ عَرَضْ
وعليه قول الآخر :
تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمَةَ في فُوادِي فَبَادِيِهِ مَعَ الخافِي يَسِيرُ٥
ألا تراه كيف وصفه بما توصف به الجواهر من السروب والتغلغل؟ ومرَّ به الطائي الكبير٦، إلا أنه عكسه فقال :
مَوَدَّةٌ ذَهَبٌ أثمارُها شَبهُ وَهِمّةٌ جَوْهَرٌ مَعْرُوفُها عَرَضُ
والباب واسع، والطريف مُسْهَب، إلا أنّ هذا سًمْته.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والجحدري وأبي زرعة. "تَكْلِمُهُمْ"٧
٢ في ك : كسرت، وهو تحريف.
٣ يريد : ما تضمره النفس.
٤ لسوار بن المضرب. وروي "سنحت" مكان "عرضت"، وانظر اللسان "عنن".
٥ البيت لعبيد الله بن عتبة بن مسعود. وانظر اللسان "غلغل".
٦ هو أبو تمام، وله في ديوانيه قصيدة من هذا الوزن والروي، ولكن لم نعثر على الشاهد فيها.
٧ سورة النمل : ٨٢.